السبت، يناير 03، 2009

معادلة التغيير

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله...


مع بداية عام جديد وقد اعتدنا الاستغناء عن أوراق تقويم منصرم لاستبدالها بأوراق جديدة لنمزقها.

في كل عام أقف متأملا لتصرم السنون والأيام. في بداية العام الماضي 1429هـ وقفت مع معادلة التغيير وارتباطها ببداية العام وحاولت البحث في القران وازعم أني وجدت رابطا....


إن أول عبادة نمارسها مع بداية العام هي صيام يوم عاشوراء ....


إننا نعلم ارتباط هذه العبادة بنجاة موسى عليه السلام من عدو الله فرعون (انتصار المستضعفين على الطغاة), وقد حاولت أن أُراجع هذه القصة في القران ولعل ابرز المواضع التي تتكلم عن هذه المعركة بتفصيل زمني جاء في سورة القصص.....


وإذا قرأنا فواتح هذه السورة نجدها تبدأ بقوة. وفيها قدر كبير من المفاصلة والوضوح في بيان إرادة الله عز وجل فلنقرأ قول الله عز وجل:

{طسم، تلك آيات الكتاب المبين، نتلوا عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون، إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين، ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين، ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون}


إذا فإرادة الله عز وجل قد تمت ولكن العجب ما يأتي بعد هذه البداية القوية فلم يقل الله عز وجل فأغرقناه وجنوده أو فخسفنا به الأرض أو فأنزلنا عليهم رجزا من السماء

وإنما قال :

(واوحينا الى ام موسى ان ارضعيه فاذا خفت عليه فالقيه في اليم)


يا الله .......


إن المنقذ والمخلص المقترح لا يزال في المهد....

وفي زمن إعداد هذا المنقذ لم يتغير شي ففرعون ماضي في ظلمه وعدوانه وذلك بعلم الله وحكمته....

فهناك سنن في الحياة لا تتغير ولا تتبدل فلابد للتغيير من زمن ولابد للنصر من اعداد يتطلب عشرات السنين......


في قصة موسى عليه السلام نجد أن موسى عليه السلام بعد أن تربى في بيت فرعون ورأى الظلم والقسوة مع ما صاحب ذلك من حياة مترفة وبعد عن المشقة ومخالطة للناس بتلقائية احتاج هذا المنقذ (أن يحصل على منحة دراسية)......


ليتخلص من تراكمات عيشة القصور القائمة على الترف والتعالي وظلم الناس .......

فتهيأت الأسباب بعلم الله وقدرته لهذه التجربة الضرورية لاكتمال شخصية القائد المنقذ ....

" ولما توجه تلقاء مدين" ......

"قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّالِحِينَ " .

موسى عليه السلام يرعى الغنم ....!!

و الظلم قائم مستمر ..!!

عشر سنوات على أرجح الأقوال كلها بعلم الله وتدبيره لم يضع منها يوم .....

كما قال الله عز وجل (ولتصنع على عيني) ( ثم جئت على قدر يا موسى) فصناعة القادة هي من أعقد الصناعات على وجه الأرض....


إن التخلص من تراكمات الماضي و مسلمات الوسط الذي يعيش فيه الإنسان يحتاج إلى جناحين ....... غربة عن ذلك الوسط .... وزمن كفيل بالتغيير .....



وبعد أن نجا الله موسى عليه السلام وقومه من فرعون وجنوده وخرج بهم إلى الأرض المقدسة وأبو أن يدخلوها وقالوا:

( فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ )

عوقبوا على هذا النكوص والتخلي عما كلفوا به ( فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ) لتتحقق معادلة التغيير.....


فهذا الجيل الذي تربى في زمن الذلة والهوان وألفهما يحتاج إلى سنين طويلة وبيئة مختلفة (جناحي تغير القيم إن صحة التسمية)

للتخلص من هذه الصفات التي خالطت شغاف القلوب وأصبحت ملتصقة بها.....


بل حتى موسى عليه السلام القائد المخلص مات في زمن التيه لتتم عملية التغير بشكل عميق ويتعود الجيل الجديد على قيادة نفسه بقادة من الذين تربوا في الوسط الجديد المتحرر من قيود الماضي...


نخلص من هذه القراءة البسيطة مع بداية العام إلى معادلة التغيير إن صحة التسمية والتي حددنا لها جناحين هما تغيير الوسط والزمن الكافي للتغيير...


فمجتمعاتنا العربية من اقل المجتمعات مراعاة للزمن...


فالكل يتحدث عن الحلول السحرية والتغيرات النوعية دون توضيح لحقيقة مهمة تسبق وترافق بل وتتبع كل عملية تغيير وهي ضرورة وجود الجد والاجتهاد والمثابرة والصبر والدموع وأحيانا الدماء فبدون ذلك ستكون وعود تتكرر وأماني وأحلام نتسلى بها ولن نجني منها شيء ...


زمن + وسط جديد = تغيير حقيقي


ولا أنسى تذكيركم بصيام يوم عاشورا والدعاء لإخواننا في غزة تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال...



روابط ذات علاقة:

هناك 12 تعليقًا:

  1. إبداع + رؤية مختلفة = أبو المعتصم

    أثابك الله ونفع بك...

    معادلة جد مهمة.. والجميع يتمنى تطبيقها ولكن صاحب الحظ من يوفقه الله لذلك...

    شكرًا لك على تذكيرنا بهذه التدوينة الرائعة .. ولا تعلم كيف أحسست بسرعة الأيام حين أدركت أنه قد مضى عام مذ قرأت هذه التدوينة!!

    تقبل مروري ودمت بود...

    NiceBoy

    ردحذف
  2. عودة حميدة للمدونة و للمنتدى ..

    ننتظر عودتك ان شاء الله لأستراليا
    و التغيير يكون كما قال الله "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ"

    ردحذف
  3. لاجديد ياأبوالمعتصم فأنت مبدع كما عهدناك. تحليل وأستنباط تدل على عقلية فذة.

    أبورند
    برزبن

    ردحذف
  4. برأيي ان كلمة التغيير لها معنى وفهم مختلف من شخص الي اخر وذلك حسب طبعيته و نشأته و المحيط الذي يعيش فيه و بمعنى اخر ا ن الانسان لايمكن ان يتغير الا اذا كان لديه دوافع داخليه مختلفه اما اجتماعيه او ثقافيه او نفسيه او غيرها او جميعها و التي نشأت في الاصل من تلك العوامل لتدفعه لهذا التغيرر ..و التغيير مطلب مهم بل وملزم لنا ولولا اهميته لما ذكره الله في مواضع كثيره في كتابه الكريم يحثنا فيها لان نكون افضل الامم بعد ان اختارنا لحمل رسالته وان لم يكن هذا التغير فقد حذرنا هو بالتغيير في قوله تعالى

    إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا

    وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كمآ أنشأكم من ذرية قوم آخرين

    إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد

    اخي الحبيب ابو المعتصم
    اشكرك على دعوتك للتغير مع بداية العالم الجديد الذي نسأل الله ان يغير فيه حال الامه و ان يعيد لها رشدها وان يعيننا على تغيير انفسنا لما يرضيه عنا

    و تقبل تحياتي
    علي القاسم

    ردحذف
  5. كعادتك طرح رائع ونصح جميل

    زمن + وسط جديد + منطق = تغيير حقيقي

    أشكرك ..

    ردحذف
  6. جميل هذا الطرح
    ومن وجهة نظري أننا لسنا بحاجة للأنتضار فالزمن هوا الآن وغد وكل وقت فلنبدأ الآن
    و كماقيل ((التغير يحتاج إلى ثوره))
    عزيمة قوية + رؤية مستقبلية صحيحة = تغير حقيقي

    ردحذف
  7. حيا الله الشريف الدكتور المهندس
    الآت بعد غياب ..
    نعم أحد معادلات التغيير الشخصي ماذكرت.
    وفيما يتعلق بالزمن فحتى دعوة كليم الله موسى وأخيه هارون عليهما السلام ووعد الله عز وجل "قد أجيبت دعوتكم فاستقيما ولا تتبعان.." الآيه
    انتظرا اثناعشر عاما لتتحقق كما يقول المفسرون.
    هذه واحدة ..
    أما الثانية
    فلن تحرمنا المآتم من جدنا الحسين سيد شباب أهل الجنة فنحن أولى به منهم كما كان سيدي محمد صلى الله عليه وسم وأمته أولى بموسى عليه السلام
    وما خروج الحسين وأهله وأنصاره الا للتغيير ورفع الظلم.
    ألم يأن لنا أأن نسترد الحسين
    ونتعلم من الحسين
    ونفخر بالحسين
    ونبكي الحسين
    اللهم اأجرني في مصيبتي في الحسين.

    تحياتي
    الشرف أحمد بن حازم الأكبر

    ردحذف
  8. طه وابراهيم وعلي وخالد

    متابعتكم الدائمة تشجع على الاستمرار فجزاكم الله خير على تشجيعكم


    الشريف الكبير احمد


    تعليقك في الصميم...

    فلعلنا هروبا من الرفض وقعنا في الجمود نحو من يجب الفخر بهم


    لا عدمتك اخا موجها


    حسن

    ردحذف
  9. أخي و حبيبي أبو المعتصم,
    في البداية أعزيك على وفاة جدتك رحمها الله وجزى الله إخواني المشاركين كل خير على مواساتهم وتشجيعهم لك بحيث أنهم لم يقصروا في إستعمال كلماتهم الرنانة ومشاركاتهم الدائمة..

    (إنا لله وإنا إليه راجعون) عظم الله أجركم وأجر المسلمين أجمعين.. وأدخل الجدة (عائشة) فسيح جناته..
    اللهم إنها سألتك حسن الخاتمة فأحسن خاتمتها وثبتها اللهم عند سؤال الملكين, اللهم إجعل قبرها روضةً من الرياض الجنة إنك أنت التواب الرحيم..

    وإن شاءالله سوف نتبرع ولو بدرهم واحد على روحها وعلى روح الشهداء والمسلمين أجمعين..

    اللهم إنصر إخواننا المسلمين في غزة وفي بقاع الأرض ووحد صفوفهم وصفوفنا يا رب العالمين.. وشتت اللهم شمل أعدائك أعداء الدين(الغزاة وكل من ينصرهم) إنك على كل شيئ قدير..

    ((كل نفس ذائقة الموت)) عظمة هذه الآية الكريمة تقشعر منها الأبدان, فماذا أعددنا لمماتنا؟؟
    اللهم إنا نسألك حسن الخاتمة يا الله..

    في الختام إسمحليعلى الإطالة وجزاك الله خيراً وألهمك وأهلك الصبر و السلوان..

    أخوك,
    صلاح المرزوقي

    ردحذف
  10. لن اضيف جديد
    فقط وددت ان ابدي اعجابي بالصورة المعبرة
    اختيار موفق

    ردحذف
  11. موضوع جميل وموفق على حسن الاختيار ياحسن

    التغيير ليس فقط في سنة تمكين المظلوم في الارض فهي حتمية ولو بعد حين بل ان التغيير والتحرر من العادات والافكار والمآتم هو التغيير الذي لايحتاج الى معادلة الزمن والغربة بل بشيء من البصيرة والتفكر وتحرر العقل من التبعية والانقياد

    عائض القرني

    ردحذف
  12. الله يجزيك كل خير
    كلام ذهب من انسان ذهب
    في وقت اصبحت فيه الرجولة .......
    معرفتك غالية تشرفت فيها وزادني شرف يوم تعرفت بشقيقك
    الاصغر
    زادك الله مما اعطاك
    اخوك بالله....... عبدالغني .....ابونور

    ردحذف