السبت، مارس 27، 2010

أمي تقول: عجبا لك!

image

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله,,,

استيقظت على رسالة من أمي تقول:

"ها قد مر يوم الأم الذي يحتفلون به عندكم في بلاد الغرب. لكن يظهر لي أن هذا اليوم لا يعنيك من قريب أو بعيد، (عجبا لك ! تشابههم في قطيعتي ولا تشابههم في صلتي). لا تخدعني بقولك أن السنة كلها لي وليس يوما واحد كما يفعل القوم. فإن كنت لا أجد منك يوما واحدا فكيف تمنيني بسنة ! هل يجب أن أكون شجرة أو إشارة مرورية حتى يكون لي أسبوعا يخصني. بني إني اقدر انشغالك بدراستك وانهماكك في أبحاثك لكني مشتاقة إليك....كتبتها بمداد من دمع، أمك المُحِبة"

شخصيا لم اسمع عن يوم الأم إلى في مرحلة متقدمة من عمري وحين سمعت عنه سمعت عن التحذير من هذه البدعة الغربية المنكرة و التي لا تناسبنا كمسلمين. في العام الماضي طلب ابني أن اشتري له هدية ليقوم بالذهاب بها لمدرسته حيث يغلفها ويكتب عليها ما يجعل منها هدية يقدمها لأمه في يوم الأم. ترددت في ذلك فلدي نموذج جاهز يقول أن الإسلام أعطى للأم السنة كاملة وليس مجرد يوم واحد.

نعم، هذا هو الإسلام الذي جعل الجنة تحت أقدامهن والذي علمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بعظم حقهن حين قال (أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك). لكن ماذا عن المسلمين؟ هل جعلوا لأمهاتهم السنة كاملة؟

هناك كثير من الأمهات تمني نفسها باتصال من ابنها أو بنتها للاطمئنان على صحتها، خصوصا أولئك الأبناء المنتشرون في بقاع الأرض بعيدا عن أمهاتهم. بل إن بعض أولئك الأبناء حتى في إجازته السنوية - مدفوعة التكاليف - يفضل السفر إلى مكان آخر مستكثرا على أمه أن تلقاه أو تمتع نفسها بملاعبة أطفاله لبضعة أيام. إخوتي وأخواتي المبتعثين إن أمهاتنا يسكبن الدمع على فراقنا فلنمسح هذه الدموع بشيء من التواصل الدائم الذي يشعرهم بالطمأنينة علينا ولنكن ايجابيين في خطابنا لهم ولنبتعد عن نقل مشاكلنا لهم فهي تؤرقهم كثيرا.

أعزائي القراء لنكن صرحاء مع أنفسنا فحتى من يعيش قريبا من أمه ليسأل نفسه ولينظر حوله ليرى كم هن أولئك الأمهات الآتي افتقدن طعم الكلمة الحلوة و الهدية المعبرة من أبنائهن، وكم منهن أصبحت علاقتهن بأبنائهن علاقة جامدة لا تحمل شيء من المشاعر القلبية العميقة أو بعبارة أدق هي علاقة في اتجاه واحد. ولا اعتقد أن الوضع يختلف مع الآباء.

إن الأسباب التي دعت بعض المجتمعات للتنادي بالحاجة إلى التركيز على هذا اليوم والترويج له في مجتمعهم من خلال مدارسهم ووسائل إعلامهم هي ذاتها الأسباب التي انتقلت إلى مجتمعاتنا فهل نشابههم في القطيعة ولا نشابههم في الصلة كما قالت رسالة "أمي".

إن تاريخ يوم الأم مختلف من بلد إلى آخر وليس المهم أن هناك يوم محدد للاحتفاء بالأم عالميا، بل المهم أن يسبق هذا اليوم أو الأسبوع حملات توعوية من خلال المدارس التي تركز كل مناشطها الترفيهي والتعليمي لتنبيه الطلاب بحق الأم ومكانتها والتذكير بوسائل متنوعة من الصلة والبر تهدف إلى إدخال السرور لقلوب الأمهات الآتي يحببن أبنائهن مهما كانت مللهن أو ثقافاتهن. أصدقكم القول أني كأب سررت كثيرا بالهدية التي قدمها لي ابني في العام الماضي في يوم الأب فقد كانت هدية من صنع يده تحمل بصمته الطفولية البريئة.

ولمن يقول أن هذا من البدع المحدثة وهذا عيد لغير المسلمين فنطلب منهم أن تكون هناك حملات توعوية - على الطريقة الإسلامية - من خلال منبر الجمعة وإذاعة المدرسة والقنوات الرسمية تنبه إلى حقوق الوالدين مرتكزة على قال الله وقال رسول الله بطريقة عصرية جذابة مثلها مثل الأسابيع التوعوية الأخرى "أسبوع الشجرة و أسبوع المرور و أسبوع المساجد و أسبوع مرضى السكري...."

أمي الحبيبة اعذريني على تقصيري وجفوتي، فلك ولكل أم أقول: بارك الله جهودكن ورفع درجاتكن وأقر أعينكن ببر أبنائكن وأهديك وكل أم أبياتا أتذكرها لشاعر شامي يقول فيها:

ألقيت بين يديـــــك السيف والقلما أرجو رضاكِ الذي أعلو به القمما
أنتِ الهنـــــا والمنى أنتِ الدنا وأنــــــا على ثراكِ وليدٌ قد نمـا وسما
أمـــــــاه هذا اللحن يسحرني ويلهب الشوق بي والحزن والندمـــــــا
أمــــاه أنت حديث الروح إن هدأت أو أرسلت دمعةً أو رتلت نغمــا
وأنتِ أنتِ حياتي في مطامحهــــا وأمنياتي ولم لا يــــــا منايا لمــــا
فإن جفوتكِ في ما فـات من عمري فالدمع من ندمي رغم الثبات هما
فلتغفري الذنب لي يا أم واحتسبي أوحاكميني وكوني الخصم والحكما
أمــــــاه لو كانت الأيــــام تسعفني ما كنت يا أم بالتقصير متهمـــــــا
لكم أتوق إلى لقياك ضــــــاحكةً فألثم الوجه والكفيـــن والقدمــــــــا
أمــــــــاه ها أنا ذا بالباب اطرقه ذلاً وآمل منكِ الصفح والكرمــــــا
أمــــــــاه قلبي جريح لا دواء له إلا رضــــــاكِ يعيد الجرح ملتئمــا

أمي ... أرجوك أن تسامحيني يا حبيبتي.

أبنك المقصر...




* رابط المقال كما نُشر في سبق


مواضيع أخترتها لك:

الأحد، مارس 21، 2010

مجلس أمناء ... (حتى لا تضيع البوصلة)

image

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله,,,

عزيزي القارئ ...

تخيل معي أن مدرسة حيك أو قريتك بها مجلس أعلى يتولى الإشراف عليها وليكن أسمه مجلس أمناء المدرسة. أعضاء هذا المجلس منتخبين من أهل الحي ليقدموا خدمة تطوعية غير مدفوعة مما يعني أن الساعين إلى هذا المجلس ليسوا من المنتفعين بل هم من الراغبين في خدمة مجتمعهم المحلي الصغير. مهمة هذا المجلس هي مراقبة أداء المدرسة من خلال اجتماع دوري بحضور الهيئة الإدارية للمدرسة. تهدف هذه الاجتماعات إلى التأكد من التزام إدارة المدرسة بتنفيذ الخطة الوطنية للتربية والتعليم كما تراجع تقارير الأداء مستأنسين بما يتلقاه الأعضاء من أولياء الأمور بشكل يومي في الحي. هذا المجلس ليس شكليا بل يملك صلاحيات واسعة حتى إن رواتب العاملين في المدرسة لن تصرف إلى بموافقة المجلس.

هذه الطريقة تغنينا عن الحاجة لرقابة خارجية تقوم بها الجهات المشرفة التي قد تكون بعيدة عن الواقع الفعلي، فبهذه الطريقة سيكون المستفيد من الخدمة هو من سيقيم مستواها. قل مثل ذلك عن مجالس أمنا المسجد والمستوصف والبلدية والجامعة بل كل جهة خدمية.

إن هذا واقع معاش في الدول المتقدمة فعلى سبيل المثال نجد لكل مؤسسة خدمية هنا في استراليا مجلس إشراف أعلى أو مجلس أمنا يقوم بمراقبة أداء تلك المؤسسة، وهو يملك صلاحية كبيرة جدا بل مطلقة أحيانا. و لو لم يكن لهذا المجلس دور سوى إلزام إدارة المؤسسة بعمل تقارير شاملة للأنشطة التي يزاولونها لكفى، فمجرد القيام بكتابة تقرير عن عمل معين سينبه على نقاط القوة والضعف في هذا العمل، خصوصا إذا كان سيُعرض أمام جهة إشرافية عليا تملك الصلاحية و بها من أصحاب الخبرات الطويلة والمتنوعة ما يجعل معد التقرير يضرب حسابا لكل كلمة سيقولها أو يكتبها. أضف إلى هذا أن من ضمن أعضاء المجلس ممثلين لمختلف شرائح المنتمين والمستفيدين من المؤسسة وهذا يجعل مقدم التقرير يحرص على قول الحقيقة والحقيقة فقط مخافة أن يَرُدَ على قوله من يعرف بواطن الأمور.

في حالة مجلس الجامعة يوجد ممثِلَينِ لأعضاء هيئة التدريس وممثل للموظفين و ممثل لطلاب الدراسات العليا وآخر لطلاب المرحلة الجامعية وهم منتخبون من أقرانهم ليشكلوا مرآة عاكسة من داخل الجامعة تساعد المجلس على تلمس الاحتياجات الحقيقة ودرجة الرضا لدى جميع المنتمين للجامعة. أما الأعضاء الذين يمثلون المجتمع المحلي - وهم أكثر من نصف أعضاء المجلس - فإن العامل المشترك بينهم هو كونهم ممن قدم خدمات مميزة للمجتمع وغالبيتهم من حملة الألقاب الكبيرة كأعضاء البرلمان أو قضاة أو من كبار موظفي الدولة مع وجود عضوين على الأقل ذوي خلفية مالية وعضو من القطاع الخاص.

أعتقد أن المهمة الرئيسية لمجلس الجامعة هي المحافظة على الاتجاه "حتى لا تضيع البوصلة" كما يقال، فيقوم بنقل إدارة الجامعة من الاهتمام بتسيير الأمور اليومية لتذكيرهم بالواجب الوطني. فمن الطبيعي أن من يزاول عمل بشكل مستمر سينتقل من التفكير في الأهداف الكبيرة ليحصر اهتمامه في تسيير الأمور بشكل مقبول وتقليل المشاكل الآنية بما يشبه المسكنات، لذا يقوم المجلس بتذكيرهم بشكل دائم بالهدف الاستراتيجي، وعلى إدارة الجامعة في كل خطوة تخطوها أو قرار تريد أخذ الموافقة عليه أن تبين أثره على الخطة الإستراتيجية وعلاقته بالأهداف المرحلية.

إن هذه المجالس لا يسعى إليها سوى الناشطين المدنيين، يدفعهم حب مجتمعهم وخوفهم عليه وشعورهم بالواجب الوطني فلا مكان للربح المادي، بل إن اللغة المستخدمة في الحوار لغة وطنية تركز على خدمة المجتمع بكل شرائحه، كما أن أي إجراء يجب أن يبرر من المستفيد منه ومن المتضرر، ويسعى المجلس لتحقيق الحد الأعلى من التوازن من خلال تنوع خلفيات وانتماءات أعضاء المجلس.

أخيرا فإن إدارة المجلس تركز على الجانب الخدمي المتوقع من الجامعة تجاه مجتمعها، لذا من المطلوب في كل اجتماع للمجلس أن يكون هناك متحدثا يعرض مشروعا واقعيا تسهم به الجامعة على المستوى المحلي أو الوطني ويكون المتحدث غالبا رئيس الفريق الذي يقوم بهذه المهمة.

أعتقد أن المجالس العليا الحاكمة للمؤسسات تساعد كثيرا في المحافظة على سير تلك المؤسسة في الاتجاه الصحيح.

* رابط المقال كما نُشر في سبق


مواضيع أخترتها لك:

السبت، مارس 13، 2010

تلميذ في مدرسة الحياة

image

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله,,,

فلان "علمته الحياة" عبارة نطلقها إعجاب بشخص ما، صقلته التجربة وأنضجته الأيام. و لا شك عندي لما للزمن من أثر عميق في التكوين فكما قال بن جبلة:

وأرى الليالي ما طوت من قوتي … ردته في عظتي وفي إفهامي

غير أن هذا الإفهام والأثر ليس حقا مكتسبا مضمونا، بل يتغير بتغير سلوك الشخص فيكون أعمق لدى من يسابقون الزمن لبناء عقولهم وتكوين رؤاهم، في حين قد لا يعني شيئا كبير للخاملين والكسالى.

هب أن لدينا طالبين: الأول يكتفي بحضور الدرس، فينتبه حينا ويشرد ذهنه أحيانا، ثم لا تجده يكتب شيئا أو يسأل مدرسا أو يراجع كتابا. أما الآخر فهو طالب مجد يُحضِر للدرس ثم يحضُرهُ مهتما به فيحرص على تسجيل الملاحظات، فإذا ما أشكلت عليه مسألة سأل عنها وبذل الجهد لفهمها، أما بعد عودته لبيته فيحرص على تبويب ما سجل ويقوم بفهرسته بطريقة يمكن الرجوع إليها، و ربما أضاف بعض العبارات أو الرسومات التوضيحية والمراجع التي يمكن أن تكون ذات علاقة بالموضوع، بل هو مع كل هذا مبادر لمشاركة زملائه بما توصل إليه.

لا شك أن بين صاحبينا فرق سيُظهِره الزمن، وحتما أن مقدار ما استفادا من الدراسة سيكون متباينا حتى وإن تخرجا من نفس المدرسة وحملا نفس الشهادة. ولئن كانا يمثلان طرفا نقيض في تحصيلهما فإن بينهما مستقل ومستكثر، يحدد درجة هذا الاستكثار أو ضده مدى إدراك الطالب لهويته وما ينتج عن هذا الإدراك من سلوك في تحصيل المعرفة.

إن مثل أولئك الطلاب كمثلنا، فكلنا طلاب في مدرسة الحياة، المُجِد منا هو من أدرك هويته فجعل هدفه تحصيل المعرفة التي تزيدنا رفعة في الدنيا والآخرة بإذن الله. والمعرفة التي اعنيها هي "كل الخبرات والمهارات المكتسبة من قبل الشخص من خلال التجربة أو التعليم، الفهم النظري أو العملي لموضوع ما".

إن في هذه الحياة دروسا لا تنتهي ومعينا للمعارف لا ينضب، تمر بنا بشكل متكرر وعلى هيئات شتى فيتفاوت مدى إدراكنا لها وتفاعلنا معها، فالعاقل الفطن هو من يقيد هذه الأفكار والمعارف ويسلك معها سلوك الطالب المجد مع مسالة مهمة عرضها أستاذه: يكتبها ثم يراجعها ليسهل استحضارها متى احتاج لذلك بل ويشارك الآخرين بما حصَّل.

العـــلم صيد و الكتابة قيــــده ... قيد صُيودك بالحبــال الواثقة

فمن الحــماقة أن تصيد غزالة ... وتردها بين الخلائق طالقة

إن عملية التكوين المعرفي هي عملية تراكمية لا تتم دفعة واحدة، بل هي محتاجة لسلوك طالب مجد مع زمن تُضم فيه الفكرة إلى أختها والخاطرة إلى مثيلتها يرافق ذلك وعي وتمحيص و استعداد للتغير والتطوير مع إمعان في النظر بعيد عن قيود العادات و ربقة المألوفات.

إن أي مِن مَن توقف لهم التاريخ وسجلوا حضورهم في هذه الحياة حين تركوا أثرا يقتفى، هم حتما ممن علمتهم مدرسة الحياة فأنضجتهم في مجالهم الذي عُرف بهم وعُرفوا به.

وحتى نكون من أولئك الأفذاذ علينا أن نلبس قبعة الطالب المجد في كل أمور حياتنا فنتعلم من الصغير والكبير من القريب والبعيد من العدو والصديق فمدرسة الحياة تستوعب الكثير و بها العديد من المدرسين من خلفيات شتى ومشارب متباينة.

اسلك في مدارج السالكين في مدرسة الحياة بعين فاحصة ترى أفضل ما في الآخرين فتتخلق به كما ترى ما يعيبهم فتفتش عن هذا السلوك فإن كان فيها نبذته وهربت منه، وإلا حمدت الله و حَذِرت من ذاك السلوك واتقته.

المدرسة واحد والفرق كامن بين طلابها ففيهم السابقون بالخيرات وفيهم المقتصدون وفيهم ظالمي أنفسهم، فلنسابق إلى الخيرات ونأخذ أنفسنا بالحزم والجد فهو طريق الرفعة والسؤدد بتوفيق الله، وليكن شعارنا في مدرسة الحياة "مع المحبرة إلى المقبرة".


* رابط المقال كما نُشر في سبق


مواضيع أخترتها لك:

السبت، مارس 06، 2010

أيها المبتعث مهلا ... "بماذا أنت عائد؟"

image

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله,,,

أيها الراحل إلى بلاد الغرب...

يا ابن الكرام وصفوة الأقوام، هذه رسالة من ناصح محب...

إنه عام جديد في الغربة. فاسمح لي أن أشير في عجالة إلى جزء من تاريخ تعاطينا مع الحضارة الغربية. إن نظرتنا للمجتمع الغربي قد مرت بمراحل عدة: فمع بداية القرن الماضي ساد تيار إعجاب وانبهار دفع بعضهم للقول "لا سبيل أمام مصر سوى أن تحذو حذو الغرب، وتأخذ بكل ما فيه خيره وشره، حلوه ومره". تصدى لهذا التيار تيار يلعن الغرب بكل ما فيه، وقد ركز هذا التيار المضاد على تعرية المجتمع الغربي وإبراز نقائصه من خلال التركيز على إباحية الغرب وتفككه الأسري.
ثم جاءت فترة كان هناك انتقائية في الاقتباس فاهتم الناشطون السياسيون بالغرب الديمقراطي والتعددية الحزبية "الغرب السياسي" فيما اهتم قطاع المال و الأعمال بالتدريب والتطوير الإداري فركز على "الغرب المادي النفعي". و مؤخرا كثر الكلام عن "الغرب العنصري المتغطرس".

كلٌ من أولئك كان مصيبا في جزء مما طرحه، فهو يصف المكعب حسب الزاوية التي يراها أو أراد أن ينظر منها.

الآن أخي المغترب جاء دورنا لننظر للمكعب من زاوية جديدة، زاوية تتوائم مع ثوابت ديننا الذي علمنا بأن "الحكمة ضالة المؤمن أنا وجده فهو أحق بها" وتتفق مع حاجتنا الآنية الملحة لنحقق الهدف الذي ابتعثنا من أجله بتحصيل العلم والمعرفة والاستفادة من التجربة لنقل الإيجابي منها معنا حين نعود لنسهم في بناء مجتمعنا.

لئن كان في الغرب السكارى و الضائعين، النفعين و المادين، المتغطرسين والعنصريين، ولئن كان هناك الانحلال الأخلاقي والتفكك الأسري، بل دعنا نقول "ليس بعد الكفر ذنب". إلا أن كل ذلك لا يعنينا فليس هذا ما جئنا نطلبه، بل نحن كذاهب إلى سوق يبحث عن أفضل ما فيه. لم يعد سرا أن هذا المجتمع يسود العالم اليوم، وهو يقوم بذلك من خلال "مجتمع مدني" يديره المتميزون بل والمتميزون جدا، أناس يبذلون بلا حدود مما يجعلنا نتساءل ما هو الدافع لكل هذا الجهد.

ستلحظ أن هذا المجتمع قائم على العدالة والمساواة مع تفاني في البذل والعطاء فلا قيمة يجدها الإنسان لنفسه إلى من خلال الانخراط في عمل تطوعي "بغير مقابل مادي". كما ستجد أن لحب الوطن عندهم أثر عملي يتجاوز التغني بحب الوطن ليتحول إلى البذل في سبيل رفعته من خلال إتقان العمل أيا كان.

لتتأمل كيف تُزرع القيم حتى إنك لترى شخصا مخمورا يضع الزجاجة في برميل النفايات، في حين يقذفها شخص في كامل قواه العقلية من نافذة سيارته ! إنها قيم تُزرع أكثر من كونها قوانين تُشَّرع.

تعرف على فلسفة المجالس الرقابية التي تقيم أداء كل منظمة والتي يقوم عليها أناس من أصحاب الخبرات الطويلة متطوعون لخدمة مجتمعهم. ستلاحظ كيف يكون الاهتمام بالفرد بل وحتى الحيوان والنبات من خلال جماعات الاهتمامات المختلفة مهما صغرت دائرة ذلك الاهتمام.

ابتعد عن الانغلاق الفكري والسلوكي و قم بزيارة المدارس والأندية الاجتماعية والثقافية المحيطة بك وانخرط مع المجتمع المحلي لتعرفهم عن قرب وتعرفهم بنفسك وبثقافتك ودينك وتحسن لغتك وتأكد انك ستواجه كل احترام وتقدير.

استفد من تجربتك لتتعلم التفكير في المستقبل والتخطيط المرتكز على مراعاة عامل الزمن في كل مشاريعك، وتواضع وابتعد عن المظاهر الخادعة، فسترى كيف أن الحياة ممكنة دون حاجة إلى عمالة منزلية من سائقين وخدم. كما أؤكد لك انك سترى بكل وضوح أن الحرية الحقيقة "من الشهوات" تولد الإبداع و أن لكل مجتهد نصيب وكيف أن الكسالى و الخاملين لا مكان لهم في عالم المنتجين.

فتش عن مواطن القوة التي أهلتهم للسيادة وعد بما استطعت منها مركزا على المعرفة والعلم والتجربة فهي مصادر قوتك وقوة مجتمعك في المستقبل. و ما أجمل قول احدهم: "لو لم استفد من البعثة إلا احترام قيمة الوقت واحترام الآخر أيا كان لكفاني"
إن لك عقل يدلك على الصواب ويحذرك من الخطأ فاتبع عقلك واحذر هواك. و أخيرا أذكرك بأن الأيام ستمر سريعة جدا جدا، فلتسأل نفسك دوما "بماذا أنت عائد ؟"

عزيزي المساحة تضيق عن الاستطراد وأحسبك ممن يغني معه التلميح عن التصريح فالحر تكفيه الإشارة...

قد هيئوك لأمر لو فطنت له ... فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

* رابط المقال كما نُشر في سبق


مواضيع أخترتها لك: