بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد...
في صباح اليوم (الأربعاء) وصلني إيميل من سكرتيرة القسم كان عبارة عن دعوة لحضور الذكرى الأولى لوفاة فتاة تخرجت من القسم قبل أقل من عامين ومشاركة من القسم لعائلتها قرروا وضع اسمها في لوحة مخصصة لهذه الامور في حديقة ملاصقة للقسم ...
لم أُعر الموضوع كبير اهتمام مع حرصي الشديد على حضور كل المناسبات التي ينظمها القسم...
عند الساعة الثالثة إلا عشر جاء أحد الطلبة يذكرنا بالموعد ولم أتحمس أيضا...
غير أن تشجيع أخي المهندس بدر السلمي قد دفعني للحضور فجزاه الله كل خير...
وصلنا إلى المكان المعد لذلك حيث الصور في كل مكان وعلى شاشة العرض صور مختلفة من رحلة الفتاة وباقات من الزهور...
الحزن والصمت يخيم على الحضور والدموع تجري على خدود كثير منهم...
هدوء لا يحصل عندنا حتى في المقابر فضلا عن مجالس العزاء...
الأفكار تتسابق والذكريات تمر ولعل أكثر ما شدني تلك الدعوات الصادرة من المتكلمين...
دعوات أجبرتني أن أأمن على جزء منها وهي ما يخص الحضور (فلا يجوز لنا الدعاء للأموات من غير المسلمين) وقد دعوا بالهداية والمعرفة بالله عز وجل والعلم الذي يقرب منه وكثرة تذكر الآخرة والاستعداد لها ثم ختموها بقول آمين...
الدعاء كان مصحوبا بالدموع والنشيج فسألت نفسي لما لا أجد في نفسي أو فيمن حولي شيئا قريبا من هذا التأثر عند فقد من عرفناهم من الأصدقاء والمعارف؟؟
أهي الرجولة المصطنعة... أم أننا أعتدنا هذه المشاهد فلم تعد تحرك فينا ساكنا...أم هي قوة الإيمان؟؟؟
أم هي قسوة القلوب...
تذكرت قول الله عز وجل عن أتباع عيسى عليه السلام:
(وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) الحديد 27.
سبحان الله العظيم...
فالرأفة والرحمة ظاهرتين ولا تخفى على من أختلط بالقوم فتراهم يتأثرون بأمور لا يرف لها جفن من أجفاني...
ولا أريد هنا أن أدخل في مسألة هل هم أتباع لعيسى عليه السلام أو علاقتهم بالآخرين أو سياسة دولهم...
بل أقصد الأفراد في تعاملاتهم اليومية...
أتكلم عن تعلقهم بالذكريات الجميلة لمن أحبوا وكيف يعبرون عنها بالصور واالتجرافات وتعبيرهم عن مشاعرهم وتضامنهم مع من حولهم وقرب دمعتهم...
أتكلم عن تدوين التاريخ لأبناهم منذ اللحظات الأولى لولادتهم فالطفل عبارة عن مشروع متكامل من الرعاية والتربية والتعليم...
ومع كل هذا فإن كان الجزء الأول من الآية قد اثبت لهم الرأفة والرحمة...
فقد شدني الجزء الأخير الذي وصفهم بصفة أخرى ظاهرة في حياتهم (وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) أفرادا ورهباناً, وصف دقيق لما يعيشه الغرب اليوم من انحلال وتفسخ والحديث في هذا يطول...
فلنقتبس الجزء الأول ولننتبه لما حذر الله منه...
غادرنا المكان قبل النهاية لأداء صلاة العصر وعدت بعد ذلك لأجد كثيرا منهم لا زال موجودا وقرأت النصب التذكاري الذي وضعوه للفتاه وقد كُتب عليه اسمها وتخصصها وتاريخ الميلاد والوفاة وأنها تخرجت بتفوق في تخصص هندسة الشواطئ...
تذكرت أن هناك فتاة انتحرت في العام الماضي بعد تخرجها بأشهر فهل هيَ هيَ؟؟
اتصلت بأخي خضر المتحمي فقد سبق وأن حدثني عن فتاتين متميزتين عقليا...
إحداهما اختارت الإسلام والأخرى ماتت منتحرة...
أخبرته عن الاسم والتخصص فقال لي هيَ هيَ!!!
في الخامسة والعشرين من عمرها وعلى درجة عالية من الجمال ومتخرجة بتفوق ولكنها ماتت منتحرة!!!
هذا ما لم يقولوه لنا اليوم ولم يخبرونا بأنها تركت لأهلها رسالة كتبت فيها:
"الآن وقد تخرجت من الجامعة بمرتبة الشرف لم يعد لدي هدف في الحياة لأعيش من أجله فلتكن نهاية الحياة.....ابنتكم آنيت"
قصة إنتهت وشهدت جزء من نهايتها فكان درس من دروس غربتي:
لديهم ما ينقصنا ولدينا ما ينقصهم "وهو أكثر وأثمن ولا شك" فهل نتشارك الافكار والعادات النافعة
اللهم إهدنا وإياهم صراطك المستقيم وأرزقنا رأفة ورحمة في قلوبنا, وأختم بالصالحات أعمالنا...
- لمزيد من دروس الغربة من هنا
حضور مشرف
ردحذفومشاهدات مفيدة
وتعليقات أكثر من رائعة
نفع الله بك وبمدونتك أبا المعتصم
إنتبه اخي ابو العتصم من فرط العاطفه
ردحذفمشاء الله عليك ابو المعتصم على هذا الاسترسال في الكتابة مقال جميل
ردحذفالله يحفظك ويوفقك
تقبل تحياتي
اخوك
عبدالرحمن المالكي
المغترب يرى أمور لم يكن يراها و يحترم ثقافات لم يكن واعياً بها حين وجوده في وطنه ، و في داره بين أهله. و هذه الفرصة لاتسنح للجميع فمن أحسن أسغلالها سيعود بكل تأكيد لوطنه شخصاً مختلفاً، حسن الحازمي أخي و زميلي أحسن استغلال هذه الفرصة فهو يحاول التعلم من أي فرصة تسنح له و يشارك ماتعلمه مع الجميع فجزاه الله خيراً و كثر من أمثاله.
ردحذفأخاف يا أباالمعتصم أن تتخشب عواطفك بعد أن تعود إلى مجتمعنا فتتعود القسوة التي تميزنا و يا لللأسف في كثير من بلاد الشرق. مشكلة الغربيين أنهم يعيشون للدنيا بكل عواطفهم و أحاسيسهم، و نحن لم نحدد بالضبط أللدنيا نعيش أم للآخرة و نحاول أن نجمع بينهما في أسلوب لم تأخذ العاطفة و لا العقل مكانهما فيه بقدر كبير !!
ردحذفوفي ظل قسوة المجتمع لدينا(كما يفهم من كلامك والتي اختلف معها جملة وتفصيلا) الا ان العلاقات الانسانية بين افراد مجتمعنا فيها من الرحمة والعطف ما لا يمكن مقارنته بأي مجتمع اخر . فيكفي ان تدخل الاسواق في استراليا او اوروبا وترى الوضع المأساوي للنساء والرجال العجزة منهم وكيف يصرفون امور حياتهم الطبيعية وترى الفرق . اخي ابا المعتصم يجب علينا ان نخفف من جلد الذات فمجتمعاتنا بخير كثير والحمد لله. واود ان اضيف اني استمتعت بقراءة مقال صيغ بشكل متميز
ردحذفالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ردحذفكثير هم الذين في الغربة يدرسون شتى العلوم
لكن قليل من ينجح النجاح الحقيقي نعم النجاح الحقيقي
وهو معرفة الحياة المعرفة الحقيقية التي يريدها خالقها
وبارئها
شدني في مقالك ابو المعتصم هو توظيفك لكل الاحداث من حولك
للسعي للنجاح المذكور في الاعلى ومعرفة ما نحن علية من نعمة الهدايه لهذا الدين
العظيم لكن مساكيين العالم من حولنا اعني كل من ولد من اب وام ليسو مسلمين
لا يجدون بعد تحقيق ما يصبون اليه من اهداف الا الى انهاء حياتهم الجميل والمفعمه
بالنجاح المادي الى الانتحار وترييح النفس زعمو ذلك وهم لا يعلمون مالهم وما عليهم في الحياه الباقيه عند ربهم
تحياتي واشواقي اليك
ابو المعتصم
اخوك ابو علي
م يوسف
سباق دائما اخي ابو عبد الرحمن
ردحذفصاحب الرد الثاني جزاك الله خير على تنبيهك
اخي المالكي عبدالرحمن مرورك سرني
ابو ايات
يعطيك الف عافية على متابعتك الدائمة
لا تخف اخي الكريم غير معروف؟
سأحاول ان ارققها
سأخذ من هنا فن الاحتفاظ بالذكريات وتوظيف الاحداث
فهد
مشكور على كلامك..
اخي انا لا اوصف الواقع بكامل جوانبه بل اركز على قضية تنقصني شخصيا وهذا قول الله الذي اثبت لهم صفة كمال كما وصفهم بعشرات الصفات السلبية
فلا يعني الاعجاب بصفة أنه الاعجاب المطلق
شاكرا مرورك
المهندس يوسف
تواصلك الدائم محل تقديري وترقبي
فلك مني كل الحب
حسن
أخي الحبيب أبو المعتصم
ردحذفالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جميل جدا ماخطته أناملك
حبيبنا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم خطب في حجة الوداع قائلا " إنما بُعث لأُتمم مكارم الأخلاق"
ليس المعنى أن الإسلام فقط للمعملات وإنما المقصود التأكيد على أهمية الأخلاق وهذه الأخلاق يقصد بها معاملة العبد مع ربه و مع نفسه و مع الخلق
مع الله : اعتقاداً و عباده
ومع نفسه : تزكيتها وتهذيبها وحمايتها من المعاصي الظاهره و الباطنه
ومع الخلق : في حسن التعامل الذي أمر به الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم
الإنفتاح على المجتمعات الأخرى بإعطائهم "أمثلة" عند حسن الخلق "المحمود في الإسلام" وسماحة الشريعه *والتي يفتقدونها* مطلوب تماما كم هو مطلوب
أيضاً أن نأخذ منهم مانفتقده كالعلوم الطبيعية وغيرها.
ولعلي اشير الى محاضرة بإسم " The purpose of life" والتي تلامس مايفتقدونه أهل المجتمعات الغربية من أجمل الهدايا التي تستحق التوزيع والنشر
- سعودي مغترب