الأربعاء، أكتوبر 29، 2008

جميلة وناجحة ولكنها انتحرت ؟؟


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد...


في صباح اليوم (الأربعاء) وصلني إيميل من سكرتيرة القسم كان عبارة عن دعوة لحضور الذكرى الأولى لوفاة فتاة تخرجت من القسم قبل أقل من عامين ومشاركة من القسم لعائلتها قرروا وضع اسمها في لوحة مخصصة لهذه الامور في حديقة ملاصقة للقسم ...


لم أُعر الموضوع كبير اهتمام مع حرصي الشديد على حضور كل المناسبات التي ينظمها القسم...


عند الساعة الثالثة إلا عشر جاء أحد الطلبة يذكرنا بالموعد ولم أتحمس أيضا...

غير أن تشجيع أخي المهندس بدر السلمي قد دفعني للحضور فجزاه الله كل خير...


وصلنا إلى المكان المعد لذلك حيث الصور في كل مكان وعلى شاشة العرض صور مختلفة من رحلة الفتاة وباقات من الزهور...

الحزن والصمت يخيم على الحضور والدموع تجري على خدود كثير منهم...

هدوء لا يحصل عندنا حتى في المقابر فضلا عن مجالس العزاء...

الأفكار تتسابق والذكريات تمر ولعل أكثر ما شدني تلك الدعوات الصادرة من المتكلمين...


دعوات أجبرتني أن أأمن على جزء منها وهي ما يخص الحضور (فلا يجوز لنا الدعاء للأموات من غير المسلمين) وقد دعوا بالهداية والمعرفة بالله عز وجل والعلم الذي يقرب منه وكثرة تذكر الآخرة والاستعداد لها ثم ختموها بقول آمين...


الدعاء كان مصحوبا بالدموع والنشيج فسألت نفسي لما لا أجد في نفسي أو فيمن حولي شيئا قريبا من هذا التأثر عند فقد من عرفناهم من الأصدقاء والمعارف؟؟


أهي الرجولة المصطنعة... أم أننا أعتدنا هذه المشاهد فلم تعد تحرك فينا ساكنا...أم هي قوة الإيمان؟؟؟


أم هي قسوة القلوب...


تذكرت قول الله عز وجل عن أتباع عيسى عليه السلام:


(وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) الحديد 27.


سبحان الله العظيم...

فالرأفة والرحمة ظاهرتين ولا تخفى على من أختلط بالقوم فتراهم يتأثرون بأمور لا يرف لها جفن من أجفاني...


ولا أريد هنا أن أدخل في مسألة هل هم أتباع لعيسى عليه السلام أو علاقتهم بالآخرين أو سياسة دولهم...


بل أقصد الأفراد في تعاملاتهم اليومية...

أتكلم عن تعلقهم بالذكريات الجميلة لمن أحبوا وكيف يعبرون عنها بالصور واالتجرافات وتعبيرهم عن مشاعرهم وتضامنهم مع من حولهم وقرب دمعتهم...

أتكلم عن تدوين التاريخ لأبناهم منذ اللحظات الأولى لولادتهم فالطفل عبارة عن مشروع متكامل من الرعاية والتربية والتعليم...


ومع كل هذا فإن كان الجزء الأول من الآية قد اثبت لهم الرأفة والرحمة...


فقد شدني الجزء الأخير الذي وصفهم بصفة أخرى ظاهرة في حياتهم (وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) أفرادا ورهباناً, وصف دقيق لما يعيشه الغرب اليوم من انحلال وتفسخ والحديث في هذا يطول...


فلنقتبس الجزء الأول ولننتبه لما حذر الله منه...


غادرنا المكان قبل النهاية لأداء صلاة العصر وعدت بعد ذلك لأجد كثيرا منهم لا زال موجودا وقرأت النصب التذكاري الذي وضعوه للفتاه وقد كُتب عليه اسمها وتخصصها وتاريخ الميلاد والوفاة وأنها تخرجت بتفوق في تخصص هندسة الشواطئ...


تذكرت أن هناك فتاة انتحرت في العام الماضي بعد تخرجها بأشهر فهل هيَ هيَ؟؟


اتصلت بأخي خضر المتحمي فقد سبق وأن حدثني عن فتاتين متميزتين عقليا...


إحداهما اختارت الإسلام والأخرى ماتت منتحرة...


أخبرته عن الاسم والتخصص فقال لي هيَ هيَ!!!


في الخامسة والعشرين من عمرها وعلى درجة عالية من الجمال ومتخرجة بتفوق ولكنها ماتت منتحرة!!!


هذا ما لم يقولوه لنا اليوم ولم يخبرونا بأنها تركت لأهلها رسالة كتبت فيها:


"الآن وقد تخرجت من الجامعة بمرتبة الشرف لم يعد لدي هدف في الحياة لأعيش من أجله فلتكن نهاية الحياة.....ابنتكم آنيت"


قصة إنتهت وشهدت جزء من نهايتها فكان درس من دروس غربتي:


لديهم ما ينقصنا ولدينا ما ينقصهم "وهو أكثر وأثمن ولا شك" فهل نتشارك الافكار والعادات النافعة


اللهم إهدنا وإياهم صراطك المستقيم وأرزقنا رأفة ورحمة في قلوبنا, وأختم بالصالحات أعمالنا...



  • لمزيد من دروس الغربة من هنا

الأربعاء، أكتوبر 15، 2008

دموع طفلة





بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا...


ابنتي لبنى طفلة تبلغ من العمرسنة وسبعة أشهر, أرسلت لي اليوم هذه الرسالة بمداد من دمع... تقول فيها:


أبي الحبيب...

أيقظتك هذا الصباح بيدي الصغيرتين وكلي فرح لأريك ملابسي الجميلة بعد أن هيأتني أمي - وإن كنت لا ادري لماذا هيأتني في هذا الصباح الباكر- ولكني فرحت ...


خرجت أسابقك إلى المصعد, وحاولت أن اضغط زر المصعد ولكن قَصُرت عن ذلك قامتي, فاكتفيت بأن أشير لك بأن تفعل ذلك...


وزعت ابتساماتي على كل من رأيت وأنا أقول لهم: أني ذاهبة في نزهة جميلة مع أبي الحبيب...


ركبنا السيارة وكلي حيوية ونشاط, ولكني بكيت فجأة...

فهاهو عمو معاذ يأتي ومعه صديقتي لارا...

لا تسىء فهمي فأنا احبها, ولاكن مجيئهم جعلني أتذكرت أنك ستتركني مثل ما فعلت بالأمس, فقد تركتني أقضي طوال اليوم مع أناس لا اعرفهم...


لا ادري لماذا تفعل هذا, ومما يزيد استغرابي شعوري بأن أمي -الحنونة- موافقة على هذا الفعل...

أنا أحبكما ولا اشعر بالأمان إلا في وجودكما, أو أحدكما على الأقل... فهل هذا خطاء!!

لا أستطيع ان افهم...


سمعتك قبل يومين وأنت تقول لأمي: ستبكي في أول الأيام ثم ستتعود...


ستتعود!! سأتعود على ماذا؟


نعم سأتعود على أن افقد الثقة حتى في اعز الناس...


نعم سأتعود أن أخاف كلما لبست لبسا للخروج من البيت, وسأخاف كلما ركبت معك في السيارة - نعم سأخاف - فأنا لا أدري إلى أين ستأخذني ومع من ستتركني في هذه المرة...


نعم سأتعود ولكن بعد أن يعتصر قلبي ويجف دمعي ولا ذنب لي إلا أني أحب أبي وأمي...


بل إني ضحكت كثيرا عندما سمعتك البارحة وأنت تقول انك لا تحب أن تتصل بالمربية, لأنك ستتأثر عندما تعلم بأني قد بكيت كثيرا...


يا الله ...اسمح لي يا أبي ...لا استطيع تصديقك, فلو كنت بهذه الرقة و العاطفة فلم تركتني؟


دعني أرسل هذه الرسالة لك ولكل أب وأم وباسم كل طفل محروم يعاني ما أعانيه...


لماذا حرمتمونا من حقنا الطبيعي؟

نحن لا نريد مربيات ولا حاضنات...

بل نريد أن نشعر بالأمان في أحضان أمهاتنا وأمهاتنا فقط....

إرحموا دموعنا وتوسلاتنا...


فليس الذي يجري من العين ماؤها

ولكنـــها روح تســــيل فتقــــطــر


متيقنة أن اكثركم لن يفهم معنى ما أقول , فأمهاتكم حفظهن الله لم يذيقوكم طعم ما تذيقوننا كل يوم...

وبالرغم من أني لا استطيع ان اتخيل أن هناك ما هو أغلى منا...

لكن سأفترض جدلا أن ما تتركوننا من أجله , مهم في نظركم أنتم ويستحق التضحية ...


فإذا كانت ظروفكما لا تسمح بتوفير ابسط حقوق اطفالكم فأرجوكما ثم أرجوكما:

لا أريد أن يعاني أخي القادم - أو أي طفل آخر- مما أعانيه فأجلا الإنجاب حتى تسمح ظروفكما بأن تقدما له أبسط حقوقه...


"حضن أمه وأمه فقط"


فهل طلبت المستحيل...


ابنتك المحبة

لبنى

بمداد من دمع


السبت، أكتوبر 11، 2008

إنا نراك من المحسنين


-->
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على الأنبياء والمرسلين,,,

جميل هو قصص القران...

يقرب لأفهامنا مراد الله منا ويربينا من خلال مشاهد حية من قصص واقعية بكل ملابساتها. جربت في رمضان المنصرم طريقة جديدة - على الأقل بالنسبة لي- وهي محاولة العيش في تفاصيل القصة خصوصا أن أسلوب القران - بدقة تصويره - يجعل من السهل تجسيد القصة وبث الروح فيها لتتحول إلى واقع معاش بأصواته وحركاته.
عشت مع "أَحْسَنَ الْقَصَصِ" فوجدت العجب العجاب.

قصة نبي الله يوسف ابن يعقوب ابن إسحاق ابن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام...
شدني في هذه القصة وضوح و انضباط شخصيات أبطال القصة - إن صحت التسمية - رغم تعدد المشاهد وطول الزمن وسأكتفي بتتبع شخصيتين لضيق الوقت, ولك أخي القارئ أن تعود لسورة يوسف وستجد ذلك واضحا جليا.
أبدأ بيوسف عليه السلام الذي نال إعجاب كل من تعامل معه عن قرب في كل مراحل حياته رغم تقلبها الشديد فمن طفل مدلل إلى عبد مملوك إلى سجين وأخيرا وزير, وهو في كل تلك المراحل مشهود له بحسن الخلق "إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ" , "أَيُّهَا الصِّدِّيقُ" , "مكين أمين" , "ا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ" .

كما نجده في كل مراحل حياته متعلق بالله يراقبه ويخشاه كما يتوكل عليه ويلتجئ إليه "قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ" , "وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ" , "ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ" , "يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ".

وجدت الصفح والعفو مع عفة اللسان صفة بارزة فلم ينتقم من أحد بل لم يُعرِض بأحد ممن أساء إليه.

"مَا بَالُ النِّسْوَةِ الَّلاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ" ولم يذكر امرأة العزيز.

"فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لهم" وهو في موقف قوة.

"مَعَاذَ اللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ" ولم يقل من سرق.

"قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ" , "وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ " هكذا دون قيد أو شرط.

"وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ" ولم يذكر خروجه من الجب وهو أعظم حتى لا يذكرهم بإساءتهم.

"مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي" مع أن الشيطان قد نزغ إخوته ولم ينزغه.

ولا عجب فهو الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم.
وهذا الخلق والتعلق بالله ما هو إلى زهرة من بستان والده نبي الله يعقوب عليه السلام .

بتتبع بسيط لتلك الشخصية نجدها شخصية الأب المربي.

"قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ " , "يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ".

وهو الأب الرحيم الشفيق "إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ" , "يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ".
وهو مؤمن بقضاء الله وقدره متضرعا له مع ثقة وأمل لا ينقطعان.

"قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ"

"فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ"

"قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ"

"قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ"

"وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ"

"قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ"
وأخيرا دعونا نقف للحظات مع هذه الخاتمة وهذه المناجاة بإخبات لله تعالى:

"رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ"
اللهم آمين...

روابط إخترتها لك:



الخميس، أكتوبر 09، 2008

بداية الرحلة من وإلى الجنة

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله...

أخيرا سأطلق قلمي...

يريد أن يكتب ولكن ... ماذا سيكتب؟

هل يكتب كل ما جال في الخاطر؟ أم ايكتفي بذكر إشارات وعلامات؟


المؤكد لدي الآن أن خاطرة واحدة لن تكفي ففي البال الكثير والكثير فقد كانت التجربة ثرية والأثر عميق والحمد لله...

كيف سأبوبها... هل هي من دروس الغربة (علمتني غربتي) أم من (الخواطر) العابرة... بل هل هي من (الإشراقات القرآنية)؟

أم أنها ستضطرني لفتح فصل دراسي جديد بعنوان (مدرسة رمضان)...

نعم إنها مدرسة ذلك الزائر المحترف الذي يعرف متى يأتي...

فيأتي ونحن أشد ما نكون شوقا إليه...

ثم يمضي ويتركنا ونحن أشد ما نكون تعلقا به...

سمعت الكثيرين - منذ الطفولة - وهم يرددون ليت السنة كلها رمضان ...أو ليته ثلاثة أشهر أو أربعة...


لكنه يعرف أننا ملولون, بل يعرف قيمة نفسه ولا يريد أن يُرخِصها ممتثلا قول القائل:

"زر غِبا تزد حبا"

سأبدأ بالكلام عن تجربتي مع القران في "شهر رمضان الذي أنزل فيه القران"...


ففي مسجدنا يختمون القران مرتين في رمضان, الأولى في التراويح والثانية في العشر الأواخر في صلاة التهجد, وهذا أتاح لي فرصة الاستمتاع بسماع أربعة أجزاء في الليلة في العشر الأواخر ولله الحمد والمنة...

هذا التكرار جعل الصورة أجمل والتعلق اشد بل إن طعم القران قد ازداد حلاوة وخطابه أصبح له وقعه الخاص...

لقد زاد حبي لأنبياء الله ورسله وتعرفت على بلائهم وصبرهم وأسباب اصطفائهم...

وفي المقابل عرفت جزء من أحابيل الشيطان وأوليائه وازدادي بغضي لهم...

أعادتني الآيات منذ الصفحات الأولى من المصحف إلى موطننا الأول "إلى الجنة" مع آدم ثم زوجه حواء عليهما السلام...

عرفت عدوي الأول وسبب وجودي في الأرض فتشوقت للعودة إلى موطني وموطن أبي وأمي...


قررت أن أرافق الرحلة منذ بدايتها وهما ينزلان إلى الأرض ويعانون كثيرا خصوصا أن العدو قد نزل معنا...

لقد رأيت أول جريمة تقع على الأرض وسالت دمعة مع أول قطرة دم لوثت الأرض...

عشت مع نوح ألف سنة إلى خمسين عاما يدعوا ليلا ونهارا سرا وجهارا فلا يجد إلى إصرارا واستكبارا...


راقبته وهو يصنع السفينة رغم الاستهزاء والسخرية فزاد حبي له وشفقي عليه, لكن أشد ما آلمني هو سماع صوت الأب وهو ينادي "يا بني اركب معنا"...

عشت كثيرا مع خليل الله ابراهيم شابا يدعو قومه ويحاجهم بفطرته السليمة ولكنه يبتلى ثم ينجيه الله عز وجل...

هاجرت معه من العراق إلى بلاد الشام ومنها إلى الحجاز وقفت حيث وقف بعد أن ترك ولده وزوجه "بواد غير ذي زرع" تنفيذا لأمر الله وسمعته يدعوا لهمااجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم"...


ثم عاد لهم بعد مدة ليبتلى بذبح ابنه الوحيد فيستسلما لذلك فتكون المعجزة...

ما أجمل منظرهما وهما يرفعان "القواعد من البيت"... و ما اجمل ترنيمهما بتلك الدعوات الصادقات بعد أن أتما عملهما "ربنا تقبل منا"...

تعلمت من خليل الله ابراهيم عليه الصلاة والسلام حسن الدعاء والتضرع, الاستسلام والانقياد, العطف والشفقة, التوحيد الخالص, الحب في الله والبغض في الله, تعلمت منه الكثير والكثير فهو "أمة"...

لقد فرحت لفرحه "بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب"...

لقد استمتعت بسورة ابراهيم وهي تصور لي موكب الرسل على أنهم امة واحدة في مقابل امة الكفر...

"قالت لهم رسلهم"

"قال الذين كفروا لرسلهم"


الحديث يطول ولكن أجدني مضطرا لكبح جماح قلمي مع وعدي له بأن أتيح له فرصة أخرى - إن شاء الله - ليسطر شيئا مما دار في الخاطر, وإن كان يعترف بأنه لن يستطيع أن يوفيه حقه ولكنه سيكتفي من القلادة بما يحيط بالعنق...

والحمد لله أولا وأخيرا...


روابط ذات علاقة: