الأربعاء، سبتمبر 30، 2009

و رحل الزائر المحترف

image

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،،،

ها قد رحل الزائر المحترف، وقد عودنا مجيئه ونحن أشد ما نكون شوقا إليه...

ثم يمضي ويتركنا ونحن أشد ما نكون تعلقا به...

سمعت الكثيرين - منذ الطفولة - وهم يرددون ليت السنة كلها رمضان ... أو ليته ثلاثة أشهر أو أربعة...

لكنه يعرف أننا ملولون، بل يعرف قيمة نفسه ولا يريد أن يُرخِصها ممتثلا قول القائل:

"زُر غِبا تزد حبا"

كانت لي تجربة جميلة مع القران في "شهر رمضان الذي أنزل فيه القران" ففي مسجدنا يختمون القران مرتين في رمضان، الأولى في التراويح والثانية في العشر الأواخر في صلاة التهجد، مما أتاح لي فرصة الاستمتاع بسماع أربعة أجزاء في الليلة في العشر الأواخر ولله الحمد والمنة.

هذا التكرار جعل الصورة أجمل والتعلق بها أشد، بل إن طعم القران قد ازداد حلاوة وخطابه أصبح له وقعه الخاص. لقد زاد حبي لأنبياء الله ورسله وتعرفت على بلائهم وصبرهم وأسباب اصطفائهم. وفي المقابل عرفت جزء من أحابيل الشيطان وأوليائه وازدادي بغضي لهم وحذري من مكائدهم.

أعادتني الآيات منذ الصفحات الأولى من المصحف إلى موطننا الأول "إلى الجنة" مع آدم ثم زوجه حواء عليهما السلام، فعرفت عدوي الأول وسبب وجودي في الأرض فتشوقت للعودة إلى موطني وموطن أبي وأمي.

قررت أن أرافق الرحلة منذ بدايتها وهما ينزلان إلى الأرض ويعانون كثيرا، خصوصا أن العدو قد نزل معنا. لقد رأيت أول جريمة تقع على الأرض وسالت دمعة مع أول قطرة دم لوثت هذه الأرض.

عشت مع نوح ألف سنة إلى خمسين عاما يدعوا ليلا ونهارا سرا وجهارا فلا يجد إلا إصرارا واستكبارا. لقد راقبته وهو يصنع السفينة رغم الاستهزاء والسخرية فزاد حبي له وشفقي عليه، لكن أشد ما آلمني هو سماع صوت الأب وهو ينادي "يا بني اركب معنا".

عشت كثيرا مع خليل الله ابراهيم شابا يدعو قومه ويحاجهم بفطرته السليمة ولكنه يبتلى ثم ينجيه الله عز وجل. ثم هاجرت معه من العراق إلى بلاد الشام ومنها إلى الحجاز وقفت حيث وقف بعد أن ترك ولده وزوجه "بواد غير ذي زرع" تنفيذا لأمر الله وسمعته يدعوا لهما "فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم".

لقد عدت معه بعد مدة ليُقِر عينيه بهما فأبتلي بذبح ابنه الوحيد، لكنهما نجحا في الإختبار فأستسلما لذلك فكانت معجزة. لقد شدني منظرهما وهما يرفعان "القواعد من البيت" وهز أذني ترنيمهما بتلك الدعوات الصادقات بعد أن أتما عملهما "ربنا تقبل منا".

تعلمت من خليل الله ابراهيم عليه الصلاة والسلام حسن الدعاء والتضرع، الاستسلام والانقياد، العطف والشفقة، التوحيد الخالص، الحب في الله والبغض في الله، تعلمت منه الكثير والكثير فهو "أمة".

لقد فرحت لفرحه "بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب".

من أكثر ما شدني وامتعني سورة ابراهيم وهي تصور لي موكب الرسل على أنهم امة واحدة في مقابل امة الكفر:

"قالت لهم رسلهم"

"قال الذين كفروا لرسلهم"

أسأل الله ان يحشرنا في موكب رُسله…

آه ... ما أجمل لياليك أيها الزائر المحترف... اسأل الله ان يتقبل منا صيامنا وقيامنا وأن يعيد علينا رمضان اعواما عديدة وأزمنة مديدة ونحن بخير حال.

الحديث يطول ولكن أجدني مضطرا لكبح جماح قلمي مع وعدي له بأن أتيح له فرصة أخرى - إن شاء الله ويسر- ليسطر شيئا مما دار في الخاطر، وإن كان يعترف بأنه لن يستطيع أن يوفيه حقه ولكنه سيكتفي من القلادة بما يحيط بالعنق.

فالحمد لله أولا وأخيرا...


مواضيع أخترتها لك:

هناك 12 تعليقًا:

  1. لله درك يا ابا المعتصم ...
    فقد استمتعت جدا برسائلك في شهر رمضان ..
    اسال الله عزوجل ان ينزلك دار الخلد والجنان ..

    ردحذف
  2. السلام عليكم وبوركت يا أبا المعتصم،

    أسأل الله أن يعوضنا خيراً في فراق شهرنا، وقد أجدت فعلاً في تسميته بالزائر المحترف.

    كل الود؛
    ماجد الدريهم

    ردحذف
  3. اعاده الله علينا اعوام عديده ونحن في صحة وعافيه

    جزاك الله خير

    اخوك
    ضيف الله الشيخي

    ردحذف
  4. أطلت الغياب *
    وتحسب عاما من البعد يكفي
    لينسينا اللحظات العذاب !
    حبيبي
    إذا كان بعض الفراق دواء
    ألا إن بعض الفراق عذاب
    حبيبي
    لقد مر عام
    ومازال شوقي كأول يوم
    كآخر يوم
    فليتك زائرنا كل شهر
    وليتك حين تزور القلوب تقيم مدى الدهر دون إياب
    حبيبي
    إني خلقت بنصفين
    نصف له صلة بالسماء
    و نصف تراب
    وما زلت أذكر حين تمر رحيماً نقيا
    كمر السحاب
    فتغسلني من غباري ووحلي
    وتهمس لي في حنان : بني توضأ
    فقد حان وقت الصلاة
    فنشعر أنا ارتفعنا عن الأرض حتى كأنا
    نسيم من العطر هب عليلا
    من الخلد نفحته وشذاه
    وما زلت أذكر
    أني بعد ارتحالك عني
    تركت هنالك نصفي وعدت
    ومذ ذاك أحيا بنصفي التراب
    وحان اللقاء
    أيا قادما بين كفيك نصفي المضاع
    سلام عليك فأنت الحياة
    وكل الحياة سواك متاع
    وكم يؤلم القلب يا رمضان بأن لكل لقاء وداع

    لـ الشاعر أحمد المنعي

    قارئة المستقبل

    ردحذف
  5. ليتك لم تكبح جماح قلمك وفي انتظار بقية المقال وياليت لو ركزت على أستعراض سير الأنبياء بنفس اسلوبك الممتع المفيد أعلاة.

    ردحذف
  6. حـــق أن نبكي عــليه أي شـهر قد تـــــــولى



    كيف لا نبكي ولا نعلم أنّا قد قـُبلنا أم حُرمنا





    في طفولتي كنت احسب ان العيد ماْتم لكثرة بكاء الناس في لليلة العيد على وداع " الزائر" شهر رمضان حتى اذا مااْسفر الصبح تبدل الماتم الى فرح والحزن الى سعاده , كانو يخشون ان يرحل" الزائر" شهر رمضان وهم مقصرين او غير مقبولين كانو يعلمون ان رمضان موسم لتزود من زاد التقوء.



    فاقبــــل اللهم ربي صومنا ثم زدنــا من عطاياك الجسام








    أيــهــذا الشــــاكـي ومـا بــك داءٌ كـــيف تغـدٌ إذا غـدوت عـليـلا

    إن شـر الجـــناة في الأرض نفس تتوقى قبـل الرحيـل الرحـيـلا

    والـذي نفسـه بـــــغـيـر جـمـال لايـرى في الوجود شيئـا جميـل

    عبدالله الزهراني

    ردحذف
  7. مشكور يا أخي الكريم
    على هذه الروائع التي تتحفنا بها
    وفعلا رمضان ذلك الزائر البروفيشينال
    وتحياتي لك وللزملاء الكرام والأهل والخلان
    محبكم عبدالله نيازي
    أبو محمد

    ردحذف
  8. نعم،الحديث منك عن رمضان يطول...ورمضان لن يوفى حقه...ولكن المستفيد هو من يزيد الفارق في العبادة والتقوى والأعمال الصالحة في رمضان عن بقية الأشهر. وأنا في إنتظار بقية هذا الموضوع يا أبا المعتصم.

    ردحذف
  9. فواز الشهري3‏/10‏/2009، 9:09 ص

    كل عام و انتم بخير ابا المعتصم

    وتقبل الله منا ومنكم صلاح الاعمال

    صدق الله تعالى (ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب )

    ردحذف
  10. Jazak Allah Khair Abu Almoutsem.
    This Ramadan was undoubtedly a significant time in the lives of many Muslims, particularly those that are on the Gold Coast. Although Ramadan anywhere on earth is a special month due to its spiritual and peaceful nature, however, Ramadan on the Gold Coast is perhaps a unique month due to the efforts exerted by the members of the Muslim community. I have to thank you, Kader and Nedal for taking on the huge responsibility of organising the Ramadan iftar. You have all provided a shining example of Muslim Arabs that are “givers” rather than “takers”. May Allah reward you for all your good deeds
    .
    Husam Aldamen (Abu Monther)

    ردحذف
  11. حفظك الباري أخي حسن كتبت فأوفيت وأسردت فأجزلت ، حلقت بنا في روائع هذا الدستور الكريم كتاب رب العالمين في رحلة قصصية عمرها آلاف السنين ، جعلتنا نتذوق حلاوة القرآن وكيف أنه غذاء للأرواح وبلسم للقلوب.

    دمت -محفوفا برعاية المولى- غصنا عبقا بالمعاني الدفاقة تسبغ علينا من هذا الشذى المفعم بالإلهام الرباني. استمر وعين الله تكلؤك ورحمته تغشاك.

    محمد الوليدي

    ردحذف
  12. جزاك الله كل خير على هالموضوع الجميل

    أخي الفاضل الدكتور/ حسن الحازمي وفقه الله

    أسأل الله تعالى أن ينفع بك ،ويجعل التوفيق دربك ودرب كل طالب وطالبة إن شاء الله تعالى .

    نسأل الله تعالى أن يبلغنا وإياكم وجميع المسلمين برمضان أعواما عديدة وأزمنة مديدة ،وكل عام وأنتم بخير ياغالي ،،،

    تقبل تحياتي لشخصكم الكريم ..،،،،

    محبك في الله

    ابوريم

    من أوكلاند

    ردحذف