السبت، أبريل 17، 2010

مُراهِقون في محكمة و جامعة بلا أسوار !

image

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله,,,

كان حديثنا في المقال السابق عن فني الالكترونيات صاحب "وظيفة على الرصيف" كمثال لفني محترف. لقد شغلتني احترافية العمالة هنا منذ عدة سنوات، ما دفعني لمزيد من البحث والاستقصاء لما يقف خلف هذه الاحترافية. هل هو نظام التعليم العام الذي يعد أفضل أنظمة التعليم في العالم حسب تصنيف الأمم المتحدة 2008 ؟ أم أن هذا التميز هو نتاج لتداخله مع قطاعات التعليم الأخرى: التعليم الجامعي والتدريب المهني؟

بعد بحث في مواقع الجهات المهتمة و عدد من المقابلات مع أولياء أمور طلاب المرحلة الثانوية مع احتكاك مباشر بهذه الأنظمة، فأنا في الجامعة وزوجتي في معهد تدريب مهني "TAFE" وابني في المدرسة وابنتي في الحضانة. لذا أزعم أني خرجت بتصور جيد عن طريقة توجيه الطلاب إلى تخصصاتهم أو بعبارة أدق: كيف يتم اكتشاف ميولهم وتكريسه للوصول بالطالب إلى معرفة التخصص الذي سيخدم مجتمعه من خلاله في الوقت الذي يحقق فيه ذاته أيضا.

هذه البرامج متداخلة بطريقة تكاملية توضح أن هناك جهة عليا تنسق لهذا التداخل التكاملي. سأعرض هنا أمثلة محدودة - لضيق المساحة - للبرامج التي تقام لمعرفة ميول الطالب ومن ثم تكريس هذا الميول من خلا تدريسه ما يطور ذلك الميول ويصقله. هناك مادتين إجباريتين لجميع الطلاب خلال مراحل الدراسة المختلفة وهي الرياضيات واللغة وهي مصممة بمستويات متفاوته لتكون مفيدة للطالب أيا كانت قدراته وإمكاناته العقلية، أما بقية المواد فتحرص إدارة المدرسة أن يمر الطالب على أكثرها بواقع مادتين في الفصل الدراسي الذي يستمر لشهرين (4 فصول في السنة)، ثم ينتقل إلى غيرها إلى أن يمر على أكثر التخصصات. في السنة العاشرة (أول ثانوي) يفترض أن الطالب قد وصل إلى قناعة بالاتجاه العام الذي يعتقد انه سيقضي بقية عمره فيه فيركز على مجال معين سواء كان علميا أو فنيا أو أدبيا أو تاريخيا...الخ هذا التركيز يتم بالتزامن مع البرامج التي تقيمها مراكز التدريب المهني "TAFE" و الجامعات.

هنا أتذكر مشاركاتي في برنامج تشجيع طلاب المرحلة الثانوية لدراسة العلوم الهندسية والذي ينظم بشكل سنوي من قبل جامعة جريفث بالتنسيق مع إدارة التعليم في المدينة. يستهدف هذا البرنامج طلاب الصف التاسع والعاشر (ثالث متوسط وأول ثانوي) لتحفيزهم على اختيار التخصصات الهندسية ويتم عمل مسابقة على مستوى المدينة ثم الولاية ثم على مستوى الدولة بين المتميزين من مخرجات هذا البرنامج.

يتم عمل مسابقات مصممة باحترافية عالية وبإشراف أعضاء هيئة التدريس بكلية الهندسة كمشرفين "متطوعين" وتركز هذه المسابقات على تعويد الطلاب على التفكير المنطقي وتوظيف القوانين الهندسية في تصميم مشاريعهم بمواد بسيطة توفر لهم مع شرح مبسط عن ما يمكن أن يتم انجازه والنظرية العلمية التي تسند ذلك، من ضمن تلك المسابقات تصميم قوارب ورقية وتصميم جسر خشبي وتصميم توزيع شبكة كهرباء لمدينة صغيرة وغيرها من الأفكار الهندسية.

الموضوع لا ينتهي عند المسابقة التي يتخللها فترات حرة للاحتكاك بالمختصين، بل يتبعها تواصل مع الطلاب المتميزين الذين يظهِرون تفوقا في قدراتهم، وبالتنسيق مع مدارسهم و أولياء أمورهم يكرس اهتمامهم بالجانب الهندسي ويتلقى الطالب حفاوة من الجامعة من خلال مقابلة باحثين كبار في المجال الهندسي كما يبدأ الطالب من السنة الحادي عشرة أو الثانية عشرة (ثالث ثانوي) في حضور محاضرات حقيقية مع طلاب السنة الأولى بالجامعة بشكل أسبوعي وبهذا ينبني لديه حب ومعرف للتخصص.

حين أتحدث عن تجربتي مع التخصصات الهندسية فكلي يقين بوجود برامج مشابهة للتخصصات الأخرى وقد اخبرني احد الآباء أن ابنته تذهب لحضور المرافعات القضائية في المحكمة بشكل أسبوعي مع أنها لا تزال في الصف الحادي عشر حيث أنها ترغب في دراسة القانون في المرحلة الجامعية. هناك برنامج آخر تقيمه الجامعات بشكل دوري وهو اليوم المفتوح والذي يستهدف طلاب المرحلة المتوسطة والثانوية الذين يأتون مع آبائهم لمناقشة التخصصات المستقبلية التي يودون الالتحاق بها، أضف إلى ذلك أن الجامعات مفتوحة أمام من شاء لزيارتها في أي وقت، فلا يوجد أسوار ولا بوابات تعزلها عن المجتمع وتعزل المجتمع عنها.

أما صاحبنا "فني الالكترونيات" فقد بدأ حضور دورات تدريبية في معهد التدريب المهني "TAFE" منذ كان في المرحلة الثانوية بل كان يفرغ يومين من المدرسة لتلقي تلك الدورات مما جعله يلتحق بدورة مكثفة بمجرد انتهائه من المرحلة الثانوية ليبدأ حياته المهنية المتوائمة مع ميوله الطبيعي. لقد لفت نظري حين زيارتي لمعهد التدريب المهني "TAFE" طالبين في المرحلة الثانوية يقومان بطلاء جدران المعهد ضمن برنامجهم التدريبي ! كما توجد في معاهد التدريب المهني "TAFE" برامج للمكنيكا و النجارة و التجميل ورياض الأطفال و السكرتارية وخلافها من المهن التي يحتاجها المجتمع وجميعها تحرص على اجتذاب الطلاب المحبين لهذا المجال.

لعلك عزيزي القارئ تتساءل: ما الذي يدفع الجامعات ومعاهد التدريب المهني لبذل كل هذا الجهد في استقطاب طلاب المرحلة الثانوية؟ آمل أن تجد الإجابة في المقال القادم إن يسر الله.


* رابط المقال كما نُشر في سبق


مواضيع أخترتها لك:

هناك 10 تعليقات:

  1. شكرا استاذي على مقالك والذي حوى الطموح واليأس. في الحقيقة اريد طرح سؤال مهم وهو ان هناك من يعلم كل ما يقوم به الغرب من خلال التعليم لأبنائهم لا سيما وان مبتعثين المملكة للدراسات العليا قد عادوا الى الوطن منذ ما يزيد على الستين عاماً ولكن اين المشكلة في تطبيق هذه المنظومة مع العلم ان العمل في السابق اسهل بكثير من الآن!!!
    دمتم بود
    خالد الجهني - بيرث

    ردحذف
  2. السلام عليكم
    بارك الله بك اخي العزيز على هذه التوضيحات القيمة والجادة
    انا من خلال هذا تقيمك سوف انظر الى اطفالي من خلال هكذا تقييم وشكرا لك دوما على كتاباتك
    الدليمي
    ابو الليث

    ردحذف
  3. مساكين شبابنا لا أنظمة التعليم سُهلت لهم ولا ثقافة المجتمع ونظرته ساندتهم لممارسة الكثير من الحرف الشريفة التي هي خير لهم من كثير من الوظائف المكتبية (لمن وجدها) والتي لم تعد تسمن ولاتغني من جوع مع يقيني أن نظرة المجتمع بدأت تتغير مع إرتفاع تكاليف المعيشة.  

    أبورند

    ردحذف
  4. احمد جواحي17‏/4‏/2010، 6:27 م

    اخي العزيز انه لموضوع يستحق الذكر ,والتباحث فيه .ان من شأن توجيه الموهبه واكتشافها صنع مستقبل متكامل ,قوي البنيان لايخضع لماهو عليه الحال في الوطن العربي الكبير على قول بعض معلقي كرة القدم .واشكرك جدا على هذا التساؤل الذي من شأنه ان يبعث على النفس الامل وروح الاستبشار

    ردحذف
  5. رائع اخي حسن
    واضح انك كعادتك تبذل جهد كبير قبل ان تكتب، والدليل الصوره اعلاه
    واصل وننتظر الحلقه او الحلقات المقبله، الموضوع شيق

    تعقيبا على رد الاخ خالد الجهني ( فعلاً نفس السؤال دائما يخطر على بالي)

    ردحذف
  6. السلام عليكم جميعا
    السؤال الينا جميعا وعلى رأسنا صاحب المقال:
    كيف حددت تخصصك بعد الثانوية العامة؟؟؟؟؟؟؟؟

    ردحذف
  7. سأكون بانتظار مقالك القادم بإذن الله، بل دعني أقول وعودتك لنا لمناقشة كيف يمكن أن نتبنى مثل هذه الأفكار هنا في جامعة جازان


    ابو عبد الرحمن
    حسن اسحاق

    ردحذف
  8. الإسم: يجي القصادي
    العنوان: الابداع يقف عاجزا امام كلامتك الهادفه
    التعليق: انها مفخرة كل مسلم عندما يرى الابداع يتفجر في قلبك يا مهندس حسن اتمنى لك التوفيق في الدينا والاخرة

    ردحذف
  9. الإسم: مهد عثمان
    العنوان: من فوائد الابتعاث
    هلا أخي الكاتب ،،
    أنني أرى من خلال مقالاتك ، كيف نستفيد من التقدم التقني والتطور التى حققته أستراليا ، وذاك امر جيد.
    أستراليا تتمتع بمناخ مشابه للمناخ العربي وهي من اكثر الدول التى تستطيع الاستفادة من ثروتها الحيوانية بطريقة مدهشة ، لو تمعنا وتفكرنا لوجدنا الكثير من الافكار العظيمة والمفيدة للجمتمعات البشرية العربية ، تخيل كيف يكون الوضع لو تم تطبيق نظام الرعي الحيواني والتصدير المواشى وتربيتها في دول مثل الصومال ، السودان.
    أرجو من الله ان يعيد شباب المسلمون من الابتعاث سالمون غانمون بل ,ان يكون خير رسل لدينهم ويؤثرون الناس ولايؤثرون بشر أللهم أمين.
    أكتب بيمنك اخي الكاتب وانقل الصور المشرفة من هناك

    ردحذف