بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد...
عادت به الذاكرة إلى سنين خلت حين كان في قريته الوادعة "العشة" والتي تقع على ضفاف وادي بيش.
قبل أذان المغرب بدقائق لا تتجاوز العشر تنادي والدته حفظها الله على احد أبنائها وهي تحمل الطبق المعتاد والذي يحتوي على ما لذ وطاب وتطلب إيصاله إلى الجامع الوحيد في القرية.
كالعادة يجلس هناك المؤذن وبعض كبار السن بالإضافة لبعض عابري السبيل.
هكذا تكونت لديه قناعة بأن "الإفطار في المسجد لكبار السن وعابري السبيل ويقوم بتحضيره بعض أصحاب المنازل القريبة من المسجد".
هذه القناعة تغيرت عندما غادر قريته لإكمال دراسته الجامعية، لقد شاهد خيام كبيرة تنصب إلى جوار بعض الجوامع ويكتب عليها مشروع تفطير الصائمين، يقوم على تلك الخيم المحسنون بأموالهم ويسند الأمر في الغالب إلى بعض الشباب مع أن غالب الجهد يقوم عليه عمال مدفوعي الأجر. أما رواد تلك الخيام فهم من العمالة في الغالب.
هكذا تكونت قناعة جديدة "محسنون ينفقون أموالهم لتفطير صائمين محتاجين".
حينما انتقل إلى مكان ابعد للدراسات العليا تغير الأمر منذ اليوم الأول من رمضان لعام 1426هـ .
افطر في ذلك اليوم مع جاره العزيز هشام الصغير ثم ذهبا لأداء صلاة العشاء والتراويح فلاحظا آثار إفطار عدد كبير من الناس في المسجد.
لكنه يعلم أن وضع المسلمين هنا ممتاز جدا من الناحية المادية فكيف يفطرون في المسجد؟
سأل عن رواد ذلك الإفطار فإذا به الجميع !
نعم كل طبقاتهم تاجرهم وطبيبهم وطالبهم، الجميع رجالا ونساء وأطفالا.
إنه "مشروع متكامل من الجميع وللجميع".
من اليوم الثاني لرمضان في ذلك العام والى اليوم والحمد لله اعتاد أن يفطر في المسجد بشكل يومي، ومع أن الإفطار في المسجد كان يتم في أيام الجمعة والسبت والأحد فقط، ولكن تم التعاون من قبل العائلات السعودية المتواجدة في ذلك الوقت لعمل الإفطار بشكل يومي وقد استمرت هذه العادة الجميلة وتطور العمل في الأعوام التالية بشكل اكثر إحترفية والحمد لله.
تعلم الكثير من هذه التجربة وها هو يعيشها في عامها الرابع والحمد لله.
فلأول مره تتاح أبواب للأجر لم تكن متاحة في بلده الذي يعتمد على العمالة بشكل كبير.
أصبح يجيد تقطيع الخضروات بأنواعها وغسل الصحون وترتيب الطاولات بعد تمسيحها.
لقد شاهد كثيرا من حملت الشهادات العليا ومن الأغنياء وهم يكنسون الأرض ويقطعون البصل بل إن أشهر طباخين هما من رجال الأعمال.
تعلم أن القليل من الطعام يكفي للكثير من الناس فأقل من 10 كيلوات من الأرز مع اقل من 20 كيلا من اللحم مع القليل من السلطات والفواكه تكفي لأكثر من 120 شخصا.
هنا تفطير الصائم أشمل بكثير من مجرد دفع 5 أو 10 ريالات فكل جهد له ثمنه بل أن اقل ما يفيد هو المال.
فعندما ذهب لشراء بعض الفواكه والخضار رفض صاحب المحل المسلم اخذ المال ويقول لا يمكنني الحضور بنفسي فسأساهم معكم بهذه الأشياء.
قضى الوقت الطويل مع الجزار ليقنعه بأن يأخذ ولو رأس ماله ولكنه أصر على مساهمته باللحم والدجاج لمشروع التفطير.
اقبل إليه احد إخوته الذين يبذلون من أوقاتهم وجهدهم بشكل يومي وهو يريد المساهمة المالية مع العلم أنه يمر بضائقة مالية فقال له أنت تبذل الكثير من الجهد وهذا يكفي ثم قال له دون شعور "لينفق ذو سعة من سعته"
عاد إلى البيت وهو يفكر في هذه الآية الجامعة المانعة التي تصلح دستورا للعمل التطوعي.
"لينفق ذو سعة من سعته"
هذا بالضبط ما يحصل فكل يقدم حسب استطاعته خصوصا في المشاريع المتداخلة حيث يكون كل شيء مهم، بل هناك العديد من الأشياء الصغيرة التي لا يمكن الاستغناء عنها.
لقد عاش سنين طويلة وهو يرى أن العطاء هو بذل المال أما هنا فقد تعلم أن من لا يملك المال قد يكون لديه الكثير ليقدمه في حياته.
لو انفق كل إنسان من سعته العلمية أو البدنية أو المالية أو من وقته لأنجزت الكثير من الأعمال بطريقة احترافية يقوم عليها أشخاص من الله عليهم بالسعة في هذا المجال...
تقبل الله من الجميع الصيام والقيام وصالح الاعمال.
والحمد لله اولا وأخيرا.
الإثنين 15 رمضان 1429 هـ قولد كوست
روابط إخترتها لك:
- سلسلة بين يدي سورة
- لمزيد من دروس الغربة من هنا