السبت، مارس 13، 2010

تلميذ في مدرسة الحياة

image

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله,,,

فلان "علمته الحياة" عبارة نطلقها إعجاب بشخص ما، صقلته التجربة وأنضجته الأيام. و لا شك عندي لما للزمن من أثر عميق في التكوين فكما قال بن جبلة:

وأرى الليالي ما طوت من قوتي … ردته في عظتي وفي إفهامي

غير أن هذا الإفهام والأثر ليس حقا مكتسبا مضمونا، بل يتغير بتغير سلوك الشخص فيكون أعمق لدى من يسابقون الزمن لبناء عقولهم وتكوين رؤاهم، في حين قد لا يعني شيئا كبير للخاملين والكسالى.

هب أن لدينا طالبين: الأول يكتفي بحضور الدرس، فينتبه حينا ويشرد ذهنه أحيانا، ثم لا تجده يكتب شيئا أو يسأل مدرسا أو يراجع كتابا. أما الآخر فهو طالب مجد يُحضِر للدرس ثم يحضُرهُ مهتما به فيحرص على تسجيل الملاحظات، فإذا ما أشكلت عليه مسألة سأل عنها وبذل الجهد لفهمها، أما بعد عودته لبيته فيحرص على تبويب ما سجل ويقوم بفهرسته بطريقة يمكن الرجوع إليها، و ربما أضاف بعض العبارات أو الرسومات التوضيحية والمراجع التي يمكن أن تكون ذات علاقة بالموضوع، بل هو مع كل هذا مبادر لمشاركة زملائه بما توصل إليه.

لا شك أن بين صاحبينا فرق سيُظهِره الزمن، وحتما أن مقدار ما استفادا من الدراسة سيكون متباينا حتى وإن تخرجا من نفس المدرسة وحملا نفس الشهادة. ولئن كانا يمثلان طرفا نقيض في تحصيلهما فإن بينهما مستقل ومستكثر، يحدد درجة هذا الاستكثار أو ضده مدى إدراك الطالب لهويته وما ينتج عن هذا الإدراك من سلوك في تحصيل المعرفة.

إن مثل أولئك الطلاب كمثلنا، فكلنا طلاب في مدرسة الحياة، المُجِد منا هو من أدرك هويته فجعل هدفه تحصيل المعرفة التي تزيدنا رفعة في الدنيا والآخرة بإذن الله. والمعرفة التي اعنيها هي "كل الخبرات والمهارات المكتسبة من قبل الشخص من خلال التجربة أو التعليم، الفهم النظري أو العملي لموضوع ما".

إن في هذه الحياة دروسا لا تنتهي ومعينا للمعارف لا ينضب، تمر بنا بشكل متكرر وعلى هيئات شتى فيتفاوت مدى إدراكنا لها وتفاعلنا معها، فالعاقل الفطن هو من يقيد هذه الأفكار والمعارف ويسلك معها سلوك الطالب المجد مع مسالة مهمة عرضها أستاذه: يكتبها ثم يراجعها ليسهل استحضارها متى احتاج لذلك بل ويشارك الآخرين بما حصَّل.

العـــلم صيد و الكتابة قيــــده ... قيد صُيودك بالحبــال الواثقة

فمن الحــماقة أن تصيد غزالة ... وتردها بين الخلائق طالقة

إن عملية التكوين المعرفي هي عملية تراكمية لا تتم دفعة واحدة، بل هي محتاجة لسلوك طالب مجد مع زمن تُضم فيه الفكرة إلى أختها والخاطرة إلى مثيلتها يرافق ذلك وعي وتمحيص و استعداد للتغير والتطوير مع إمعان في النظر بعيد عن قيود العادات و ربقة المألوفات.

إن أي مِن مَن توقف لهم التاريخ وسجلوا حضورهم في هذه الحياة حين تركوا أثرا يقتفى، هم حتما ممن علمتهم مدرسة الحياة فأنضجتهم في مجالهم الذي عُرف بهم وعُرفوا به.

وحتى نكون من أولئك الأفذاذ علينا أن نلبس قبعة الطالب المجد في كل أمور حياتنا فنتعلم من الصغير والكبير من القريب والبعيد من العدو والصديق فمدرسة الحياة تستوعب الكثير و بها العديد من المدرسين من خلفيات شتى ومشارب متباينة.

اسلك في مدارج السالكين في مدرسة الحياة بعين فاحصة ترى أفضل ما في الآخرين فتتخلق به كما ترى ما يعيبهم فتفتش عن هذا السلوك فإن كان فيها نبذته وهربت منه، وإلا حمدت الله و حَذِرت من ذاك السلوك واتقته.

المدرسة واحد والفرق كامن بين طلابها ففيهم السابقون بالخيرات وفيهم المقتصدون وفيهم ظالمي أنفسهم، فلنسابق إلى الخيرات ونأخذ أنفسنا بالحزم والجد فهو طريق الرفعة والسؤدد بتوفيق الله، وليكن شعارنا في مدرسة الحياة "مع المحبرة إلى المقبرة".


* رابط المقال كما نُشر في سبق


مواضيع أخترتها لك:

هناك 12 تعليقًا:

  1. وأنت أحد الطلاب الجديين ياحسن. وفق الله وحماك من كل مكروه وزادنا وإياك من واسع فضله.

    أبورند

    ردحذف
  2. salam bro, writing things down is not just having a pen and pice of paper! is's requires a brain can think and anylis properly!! mashallah you got but may allah give us one.


    Hamid

    ردحذف
  3. مرحبا بحبيبنا المهندس حسن الحازمي صاحب المواضيع المميزة.
    ربط الموضوع بكتب وموضيع أخرى تثري الموضوع دليل واضح وجلي على سعة ثقافتكم مواضيعك المميزة التي تحاكي الإصلاح في المجتمع دليل على أنكم تحملون هدفا ساميا تسعودن لتحقيقه نسأل الله لكم التوفيق

    نظرة سريعة على موضوعكم الرائع المميز ولي عودة بمشيئة الله تعالى

    عطية بكري

    ردحذف
  4. في الحقيقية المقال أعجبني وذكرني بمقال قرأته لعائض القرني في كتابه ((حدائق ذات بهجة ))
    تحت عنوان :احرص على ما ينفعك ...
    وبالفعل كما تفضلت وقلت بأن المدرسة واحده والفرق كامن بين طلابها ففيهم السابقون بالخيرات وفيهم المقتصدون وفيهم ظالمي أنفسهم، فلنسابق إلى الخيرات ونأخذ أنفسنا بالحزم والجد فهو طريق الرفعة والسؤدد بتوفيق الله..

    ردحذف
  5. كلام دقيق وبه دروس ثمينه جزاك الله خيرا
    سأدون كلامك في ذاكرتي حتى لا انساه ابدا
    شكــــــــــــــــــــــرالك

    ابنة الخطاب

    ردحذف
  6. فعلآ كبير الفرق بين من ينهل علمه من البارات والخمارات وبيوت الخناء وصالت القمار
    ويريد تطبيق ماتعلم هناك في بلده مع اهله وناسه من دعوه الى السفور والانحلال والعربده
    وبين من ينهل علمه في المكتبات والمختبرات ودور العلم والثقافة وقاعات الاخترعات
    ويطبق ما تعلمه لدينه وبلده الذي قدم له كل وسائل وسبل الراحة وطلب العلم
    فشتان بين الثراء والثرياء وآسف على الاطاله

    بارك الله فيك وفي قلمك ونفع بك الاسلام والمسلمين أخي استاذ حسن جعبور الحازمي


    ابو عمر

    ردحذف
  7. اخي حسن :
    اشكرك شكرا جزيلا من الاعماق على هذه الدرر التي تنثرها للشباب المسلم عله يستفيد منها , وعله باستفادته منها تعيده الى سالف امجاده.
    فعلا هذه هي المقالات التي نحتاج نحن الشباب ولكن هل من مدكر؟ , جزاك الله خيرا ونفع الله بك وبقلمك الامة وشبابها .

    أخوك
    م الغامدي

    ردحذف
  8. مدرسة الحياة

    من أعظم المدارس

    ولذلك كنت أستغرب من بعض الكتاب الذين لهم كتب بمسمى هكذا علمتني الحياة

    كيف لم يكتبوا هكذا علمتني المدارس أو الجامعات أو البيت أو الشارع

    قالوا هكذا علمتني الحياة

    لأنها المدرسة الأكبر والشاملة والمتخصصة والعامة والقوية

    ولك أن تتعجب

    حينما تعلم أن إسمك يكتبه والدك أو أمك أو من يعولك

    وشهادة موتك يكتبها ورثتك ومن خلفتهم وراءك

    وتبقى الفترة التي بين الطفولة والموت

    تلك الحياة

    الذين يسطرها أنت فقط

    ولا أحد سواك

    ولذلك فلنضع تلك البصمة ولنرسم تلك اللوحة الرائعة بألوان الخبرة وريشة التفاؤل

    لكي يقول الناس كان هنا وهذا هو الأثر

    فهكذا علمتني الحياة

    أخوك الصغير

    عبدالله نيازي

    ردحذف
  9. بارك الله فيما تكتب يا أبا المعتصم
    وجعلها بميزان حسناتك

    تركي القحطاني

    ردحذف
  10. مقال جميل وهادف.
    فعلا الحياه هى أكبر مدرسة.
    وليس كل من يعيش فيها يستطيع أن يتخرج منها بإمتياز ، فهناك من فهم وعرف وهناك من تجاهل ولعب وبالطبع فنتيجة كل واحد منهم مختلفه.
    جزاك الله خير

    محمود المدني

    ردحذف
  11. السلام عليكم أبا المعتصم ، مقال رائع كما عودتنا، وأجمل ما فيه التأكيد على أن التكوين المعرفي عملية تراكمية تحتاج إلى الصبر و المثابرة و الرعاية والعناية تماماً كما ترعي نبته صغيرة وتتعاهدها بالرعاية حتى يشتد عودها و تتفرع أغصانها ثم يأتيك ثمرها غدقاً بعد أن أستوفيتهاحقها من العناية والرعاية ، شكراًلك على تواصلك المفيد الممتع وجزاك الله خيرا ولا تنسانا من صالح دعائك بالهداية والشفاء أخوك أسامه الشناوي

    ردحذف
  12. الإسم: أبو معاذ
    العنوان: طالب في مدرسة الحياة
    أخي الأستاذ حسن لك مني جزيل الشكر على هذه المقاله التي تحوي في جعبتها التذكير والتحفيز والدعوة الى المثابرة في طلب العلم وحفظه والإستفادة منه, وأسأل الله أن ينفعنا ويعننا على أن نسلك وأن نرتقي في إالتماس طلب العلم.

    اللهم إني أسلك علما نافعا, ورزقا طيبا وعملا متقبل


    جزاك الله كل خير


    لإسم: بن نويمي
    العنوان: الخبر
    التعليق: موضوع رائع
    وفقك الله وانشاء ترجع لوطنك سالم غانم


    تحياتي ابو محمد


    الإسم: ahmed adel alsaleh
    العنوان: احسنت
    احسنت يا ابا المعتصم.... مقال موفق


    لإسم: حسن الحازمي
    العنوان: جيزان
    إلى الأمام أيها التلميذ أرجوا أن أراك أستاذا في مدرسة الحياة



    الإسم: المستقبل
    العنوان: السعودية_جازان
    كلام درر نور الله قلبك وزاد فهمك وأعادك إلى أهلك سالما أخوك أبو خلاد

    لإسم: لقمان
    العنوان: المدينة
    بسم الله الرحمن الرحيم
    (محبرتي لأجل مقبرتي) شعار التلميذ النجيب في زمنٍ يختلط فيه حابل الأهداف بنابل الكلمات ! .
    الحِكمة هي النافذة الوحيدة لذات الطالب المجد في (مدرسة الحياة) ! فقد فاق بها الغث السمين والقياس بينهما أمر نسبي وتعاطينا في الأمور النسبية لن يزيدنا إلا حيرة و لا ريب يجعل مِن الموضوع مستهلكاً -إلى حدٍ ما- فكل له دلوه ؛ ولا قطع حتماً بما يجري في عالم الأرواح إن كان الأمر استباقياً
    وفقط الحكمة في التعاطي مع المؤثر ينتج أثراً لتلميذٍ نجيب .




    الإسم: طلال الرشيدي
    العنوان: مبدع ياحسن
    مبدع ياحسن وفقك الله أستمر ونحن نقرأك



    الإسم: أبو الحكم
    العنوان: الموسم
    التعليق: لك مني أزكى تحية .
    لن نمل من زيارة بساتينك . فسر بنا إلى درر أدبك ونوادرك .


    تعليقات من سبق

    ردحذف