الخميس، مارس 26، 2009

تقرير حقوق الإنسان : بين الحقوق والواجبات

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ,,

يُعد صدور التقرير الثاني للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في السعودية من أبرز الأحداث على الساحة المحلية في هذا الأسبوع، فقد قدم التقرير ملخصاً لحقوق الإنسان في المملكة. وينقسم التقرير إلى 3 أقسام رئيسية تتوزع على 81 صفحة:

يبحث القسم الأول في ما صدر من أنظمة وتشريعات في المملكة, ذات علاقة بحقوق الإنسان خلال الفترة التي يغطيها التقرير، كما يشير إلى الحقوق التي لا تزال تعاني فراغا تشريعيا لحمايتها.

أما القسم الثاني فيتطرق لعدد من الأجهزة و المؤسسات الحكومية ذات العلاقة بحقوق الإنسان للنظر في سجلها خلال العام المنصرم ( 1429هـ) للتعرف على مدى مساهمتها في تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها.

كما جاء القسم الثالث تحت عنوان "الواقع والممارسات" و يتناول عددا من الحقوق والقضايا الحقوقية ومنها المرأة والطفل والحق في المشاركة والحق في التعبير عن الرأي ومكافحة الفساد, والأوضاع المعيشية والرعاية الصحية والتعليم, والسجون والسجناء.

وقد نشر موقع الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان التقرير كاملاً بصفة رسمية وبإمكانكم تحميله من هنا .

في الحقيقة سعدت كثيرا بقراءتي لهذا التقرير الذي أعتبر نشره بهذا الشكل مؤشرا قويا لوجود نية صادقة للإصلاح على أعلى المستويات. فإن كان التقرير الأول للجمعية والذي صدر عام 1427 هـ يركز على الجانب التنظيري والتأصيل لمبدأ حقوق الإنسان كخطوة أولى, حيث أن معرفة الحقوق هي الخطوة الأولى للحصول عليها. نجد أن هذا التقرير قد تحدث بشفافية ومهنية عالية تبرز من خلال الطرح الموضوعي للمشكلات مع إيراد للحقائق دون تضخيم أو تغافل مع عرض للحلول المقترحة للخروج منها.

كما نجد صراحة في النقد البناء للعديد من الجهات الحكومية التي تعودت عدم المسائلة عما تفعل, في الوقت الذي نجد التماس العذر - إن وجد - للجهات المتسببة ظاهريا في الخطأ إذا كان هناك شيء خارج عن إرادتها مع الإشارة إلى الجهة المسئولة عن الخطأ بشكل مباشر. كما أن الطرح الموضوعي يتبن أيضا من خلال الإشادة بالجهود الإيجابية في الاتجاه الصحيح مع ذكر التقصير الحاصل.

أعتقد أن اشد المتفائلين بدور الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان لم يكن يتوقع أن يكون التقرير بهذا المستوى من القوة و الصراحة, خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار حداثة التجربة لدى الجمعية وقلة أعداد العاملين معها مع عدم تعاون بعض الجهات مع الجمعية.

ومن أجمل ما قرأت في هذا التقرير ما ورد عند حديثه عن نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية:

" وليس من المبالغة القول إن مشروع نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية يعد أهم مشروع ناقشه مجلس الشورى منذ إعادة تشكيله باعتباره من أبرز الأنظمة الحديثة في تاريخ المملكة ويؤسس لمرحلة جديدة للعمل الأهلي" ..... " وحتى كتابة هذا التقرير لم يصدر هذا النظام، والجمعية تطالب بالإسراع في إقراره وتؤكد على الحاجة إلى مراجعته لتنقيته من النصوص التي قد تقيد عمل جمعيات المجتمع المدني."

فنحن بأمس الحاجة لجهات أهلية تأخذ على عاتقها توعية المجتمع بمفهوم الحقوق والواجبات فوراء كل حق ضائع هناك واجب مُقصرٌ فيه. بل إن جمعية حقوق الإنسان هي نتيجة لقيام شريحة مهتمة بهذا الشأن بواجبها تجاه مجتمعها.

إن الشعور بالانتماء للمجتمع بشكل جدي بحيث يكون الفرد مؤثرا ومتأثرا بما حوله , ينتج من خلال المشاركة الجادة في النقابات المهنية والجمعيات التخصصية وأندية الأحياء والجمعيات الخيرية والأندية الثقافية والاجتماعية والرياضية ومثيلاتها من مؤسسات المجتمع المدني. وأركز هنا على أهمية أن يكون هناك نظام واضح ومساحة من الحرية لهذه الجمعيات لممارسة نشاطاتها بشكل يساعدها في المساهمة إيجابيا في بناء المجتمع المدني الذي يتصرف أفراده بوعي ومسئولية. وبطبيعة الحال فالعمل المؤسسي الحر يرسخ مبدأ ربط الحقوق بالواجبات ليعطينا جزأ من المسؤولية نحن أفراد المجتمع, فإن كان هناك أفراد منتقصةً حقوقهم في مجتمع ما, فهذا يعني وجود أشخاص لا يقومون بواجباتهم بالشكل المطلوب.

لعل قائلا يقول وماذا ينتظر أن يقدم مثل هذا التقرير الغير ملزم لأحد, فأقول إن توعية الناس بحقوقهم وواجباتهم هي الخطوة الأولى لتحميلهم المسؤولية عما يحدث حولهم من تقصير. فالمتسببين في انتقاص حقوق بعض أفراد المجتمع هم أفراد من المجتمع نفسه , قصروا في أداء واجباتهم. وكثرة الحديث عن هذا التقصير سيكون وسيلة ضغط على المقصرين للقيام بما يجب عليهم من خلال تحميلهم تبعة اجتماعية تدفعهم للقيام بواجباتهم تجاه إخوانهم.

أعتقد أننا كأفراد معنيون بالدرجة الأولى بهذا التقرير فمؤسساتنا هي انعكاس لنا نحن الأفراد. صلاحها من صلاحنا وتقصيرها من تقصيرنا.

فلنعد لقراءة التقرير بعقلية تبحث عن الواجب الذي قصرنا فيه مما أدى إلى ضياع حق.


ملاحظات :


هناك 10 تعليقات:

  1. اولا اود ان اشكرك على دعوتك للاطلاع على هذا المقال الجميل.

    ثانيا اعتقد ان حقوق الانسان هو مصطلح رديف للعدل او العدالة... وماهما عملت الدول الخليجية من محاولات لارساء هذا المفهوم في عقول ابنائها سوف تفشل لسبب بسيط جدا لان من خطف القرار لا يرد ان يسلم رهينته الى الغير( لا تداول للسلطة)ومن ترعرع على فتات الخاطفين لا يقبل ان يتنازل عن مكانته والفتات الذي يتلقفه. لذا اقول ان العمل باستراتيجية down-up افضل لاي امل مستقبلي لاحداث تغيرات بالمفاهيم وهنا اقصد ان على الاب في اسرته ان يطبق العدله والام في بيتها تطبقها حتي تصبح جزء من واقعنا قبل ان تكون جزء من تراثنا

    ردحذف
  2. عن أي تقرير لحقوق الإنسان تتحدث ياصاحبي
    حقوق الإنسان والشراكة الوطنية
    ومنهج الشورى الصادق
    وكل التسميات التي تفتح للأمل نافذة متوقفة على وجود رجل اسمه عبدالله بن عبدالعزيز

    ولكن للأسف هذا العبدلله غير أبدي
    تحياتي لمتابعتك للساحة وجديدها


    عسيري

    ردحذف
  3. حقيقه كاتب رائع واسلوبك راقي ومتسلسل

    -وتشوقت لقراءه تقرير حقوق الانسان
    -الى الامام لجميع من يطالب بحقوق هذا الانسان بطريق لاتنقض الامن ولا يكون من وراءها أهداف أخرى


    بندر

    ردحذف
  4. حسن جعبور
    مقالك هذا يلامس الواقع بعين صائبة
    فلقد لامست كلماتك عقليتي وأعجبني حرصك الشديد على المصلحة العامة ,, أنك تتمتع بعقلية ديمقراطية سليمة ,,,
    دمت بود


    عابر سبيل

    ردحذف
  5. ما شاء الله عليك تعقيب في محله، وتقرير ـ إن شاء الله ـ يصب في المصلحة العامة وتحقيق أهداف الفرد والمجتمع.

    تقبل مروري ولا عدمنا قلمك.


    فهد عواجي

    ردحذف
  6. تحية لك استاذ حسن على هذا المقال الرائع
    ونتمنى ان يكون هذا التقرير مؤشر ايجابي لمسيرة الاصلاح المتعثرة


    عبدالمجيد الراشد

    ردحذف
  7. أشكر ك أيها الرجل الفاضل فقد ذكرتني ان أقوم الآن بحفظ التقرير على جهازي فبعد ان نشرته ( الوطن) استبشرت كثيرا ولم اكن اتوقع هذه الشفافية .. وننتظر الإصلاح ومعه التقرير القادم .. واتمنى ان يفك أسر الإعلام ليتمتع بحرية تمنح مجتمعنا ان يعرف أمراضه الحقيقية .. ودمت بخير.


    حسن محرق

    ردحذف
  8. حقيقه كاتب رائع وكم والله اسعدني رؤية بصمات اناملك في هذه الجريده
    اتمنى لك مزيدا من التوفيق



    فيصل حكمي

    ردحذف
  9. موضوع مهم وغير بسيط بالمرة، ولا يمكن إختصاره أو إيجازه بالمره ، أنا لم أقرأ التقرير ولكنهدليل وجود رعاية بالاصلاح من ولي الأمر وخطوة جريئة في عالمنا العربي نحو الاصلاح وخاصة في المملكة ، ولكن أريد أن أخذ رأيك في بعض المواضيع الغير مطروحة مثل حقوق غير المسلمين في بلد إسلامي وهذه المشكلة لا يحس بها أخواننا في المملكة ولكنها تفرض نفسها عندنا في مصر، وما رأيك م/حسن في تطبيق حد الردة مثلاً وهل يود تعارض مثلاً مع المبدأ الاسلامي (لاإكراه في الدين) وهناك الكثير من المواضيعالتي لا يتسع المكان لمناقشتها وختاماً أرجو أن تكون بخير صحة وفي أحسن حال (أخوك أسامه الشناوي)

    ردحذف
  10. وئام تونسي30‏/3‏/2009، 2:36 م

    أشكر لك قراءتك الموضوعية وكتابعتك للجديد على الساحة ...

    معادلة جميلة أخي حسن

    تقصيرنا في الواجبات ====> ضياع حقوق

    ردحذف