الأحد، أبريل 11، 2010

وظيفة على الرصيف

image بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله,,,

ذهبت قبل فترة لأحد محلات بيع مستلزمات السيارات لشراء مشغل وسائط "مسجل" لسيارتي يتوافق مع جهاز الآي فون، وعند شرائي للجهاز سألت عن الوسيلة المناسبة لتركيبة فأعطوني كرت لشخص متخصص في هذا الشأن وقد كان هناك مجموعة من الكروت لنفس الشخص في الجناح المخصص لمسجلات السيارات.

قمت بالاتصال وبعد محادثة بسيطة عن نوع سيارتي ونوع الجهاز، عرض علي المتحدث عدة خيارات: فإما أن يأتي لمنزلي أو آتيه لمنزله أو نتقابل في أي مكان يناسبني حسب المواعيد المتوفرة لديه حيث كان لديه العديد من المواعيد المسبقة.

اتفقنا أن يأتيني في الثالثة والنصف عصرا مقابل سكني، وقد كان. قابلت شاب في نهاية العقد الثالث من عمره جاء بسيارة حديثة ملصق عليها لوحات دعائية عن النشاط الذي يزاوله. قام بتركيب الجهاز باحترافية عالية تدل على تمرس في العمل وقد استخدم العديد من الأدوات التي يظهر أنها كلفته الكثير، فالعدة التي توجد في سيارته تتجاوز قيمتها الـ 5 آلاف دولار كما اخبرني.

سألته عن عمله الرئيسي فاخبرني بأن هذا هو عمله الذي يحبه ويكسب منه دخلا مميزا، وهو عمل مرخص يحق له الدعاية له، حيث أنه يدفع الضرائب وبالتالي يحق له ممارسة العمل بشكل نظامي بل يحصل على دعم لشراء معداته (ولعلي أقف مستقبلا مع طريقة استخدام خدمة استرداد الضرائب لرفع جودة العمل).

هذا شاب هاوي طور هوايته لتصبح "وظيفة على الرصيف" تدر عليه دخلا، فما عليه سوى توزيع كرته على الجهات المهتمة بنشاطه ليصل إليه الزبون أو يصل هو للزبون. بدأ صاحبنا التدريب على هذه المهنة من خلال معاهد التدريب المهني بشكل جزئي وهو في المرحلة الثانوية حيث كان يفرغ يومين في الأسبوع للذهاب للتدريب. كما اتبعها بدورة مكثفة لمدة عام بعد انتهائه من المرحلة الثانوية ليصبح بعدها مرخصا لمزاولة هذه المهنة.

هناك العديد من المهن التي تمارس بنفس الطريقة (وظيفة على الرصيف او في كراج المنزل) ليستفيد مقدم الخدمة والمحتاج لهذه الخدمة بطريقة مريحة وعملية ورخيصة نسبيا ففي معظم المراكز الكبرى المتخصص في بيع الأدوات المنزلية و خلافها تجد العديد من معلومات الاتصال بمن يستطيع أن يقدم لك خدمة أنت في أمس الحاجة لها كالنقل أو التركيب أو الصيانة. فمحلات الأقمشة مثلا توزع أرقام الخياطين العاملين من بيوتهم. كما تجد رقم لمتخصص في تنجيد السيارات وآخر لسباك وثاني لنجار، كما يمكن أن تصل إليهم من خلال البحث في أدلة الهاتف أو مواقع الانترنت وستجد شخصا في مكان قريب منك يقدم الخدمة بطريقة احترافية واقتصادية فيفيد ويستفيد.

أتذكر هنا كثيرا من شبابنا أصحاب الهوايات التي يحتاجها المجتمع كالتعامل مع الالكترونيات وشبكات الكمبيوتر وصيانة الأجهزة والخط الجميل او الرسم وغيرها من المواهب. غير أن هذه الهوايات أهملت فاضمحلت بعد أن انشغل عنها صاحبها بالبحث عن وظيفة مكتبية أو عمل متدني الأجر لا يحتاج أي نوع من الإبداع أوالمهارة.

إن هؤلاء الهواة بحاجة لمن يهيئ لهم سبل العيش الكريم من خلال تشجيعهم على خدمت أنفسهم ومجتمعهم. نريد أن نقول لهم إبقوا حيث انتم، في قراكم أوأحيائكم وما عليكم سوى تعزيز هذه الهواية بشيء من التدريب العلمي العملي لتحصلوا على شهادة مزاولة المهنة وبعد ذلك يمكنكم الوصول إلى زبائنكم كما سنساعد زبائنكم في الوصول إليكم.

أنتظر ذلك اليوم الذي يقوم فيه أبناء البلد بخدمة بعضهم بعضا كل بما يتقنه دون أن يجد احدهم غضاضة في التعريف بنفسه وبمهنته التي يعتز بها فالمجتمع محتاج للتقني كما هو محتاج للطبيب والمهندس والمدرس وأصحاب التخصصات الأخرى. انتظر ذلك اليوم الذي نعزز فيه شرف المهنة والفخر للانتساب لها أيا كانت وهنا أتذكر قول احد عمال النظافة في ناسا حين سألوه، ما هو عملك؟ فقال: بكل فخر "أساهم في عملية إطلاق الصواريخ".


*المقال كما نُشر في سبق


مواضيع إخترتها لك:

هناك 11 تعليقًا:

  1. عشق الوظيفة و حب المهنة امر عجيب و احدى مكونات التطور نراه في بلاد الغرب بشكل جميل. أذكر أحد زملائي في الجامعة هاوي سيارات و يحب بل يعشق إصلاح السيارات و كان يشكو كثيراً من عدم قدرته لتفريغ مهارته كما يريد و ذلك لنظرة المجتمع له.

    مقال جميل ابوالمعتصم وفقك الله

    ردحذف
  2. جزاك الله خير ..من افضل ما دونت

    النقطة المحوريه مما ذكرت تتعلق بـ "الرخص المهنيه" التي تحمي المهني الحقيقي (الموهوب) من تتطفل المتتطفلين على المهنه علما انه لو فعلت هذه الرخص في وطننا فلن يزاحم احد احدا لان الشخص سيجد نفسه (المتطفل)في مهنه اخرى يتكفل نظام "الرخص المهنيه" بحمايته من متطفلين اخرين و هكذا...والمكاسب الماديه قطعا ستغري المجبرين على تكملة الدراسه النظريه من اصحاب المواهب (التطبيقيه) ان صح القول .

    هشام مصطفى الإدريسي

    ردحذف
  3. أخي الفاضل ابو المعتصم
    "ثقافة المجتمع"
    تحكم الكثير من السلوكيات و التصرفات.
    فمثلاً تجد الشخص يترك فرصة وظيفية متاحة في مدينته ، ليسافر للعمل في نفس الوظيفة في مدينة أخرى، لماذا؟
    لان مجتمعة ينتقدة لعمله بالوظيفة؟

    ردحذف
  4. لإسم: علي الحازمي
    العنوان: عزيزي وإبن عمي
    يا اخ حسن ليس الأمر بسيط كما تقول ففي بلدنا لايمكن ان تجد مساعدة من الدولة على عكس استراليا وامريكا فهناك منح تقدمها الدولة لكل طالب او بأدق لأغلب الطلاب دون فوائد ربحية كما يمكن لهم ان تسهل الدولة لهم الحصول على القروض لكل من يبحث عن التدريب.

    اما هنا فلكل شي معقد الدولة لايمكن ان تساعدك فقط إعلانات اما إذا توجهت لهم فإنهم يبدأون بفض شروطهم واكبر شرط الكفيل الغارم.

    تحياتي لك اخي حسن.

    ردحذف
  5. الإسم: ابو عيسى
    العنوان: اكيد البلديه الان تدوره بعد هذا الخبر
    جيت بتداويها وسديت عينها الشاب اتضح لي انه سعودي واكيد الان مراقبين البلديه مسوين استنفار يدورونه راح فيها المسكين

    هذا مايدفع رشاوي وينافس اللي يدفعون رشاوي
    على طاري الخبر في ازقة البطحاء وعلى ارصفتها عينك عينك مثل هذا الشاب بس يقدمون بيع الخضار والاشياء المقلده وكل بسطه وراها مراقب بلديه كل يوم يجي اخر الليل ياخذ المقسوم لاتقولون تظلمهم روحو الساعه عشر بالليل وشوفو بعيونكم

    لإسم: عاطل
    العنوان: عاطل على الرصيف
    وانت الصادق كثير بس الرواتب غير الطمووح ماافي امل للنمو اسري صحيح يعني عطاله على دة الله يهديك بس ,, عندكم الكلام مثل شرب الماي وحنا لنا ربي
    عطاله بلا حدوود


    الإسم: ابو محمد
    العنوان: جميل
    التعليق: كلام جميل يا اخ حسن ..
    ولكن يد واحده لا تصفق ، الشاب وان كان طموحا ومجتهدا فهو في حاجة الى جهات ترعاه ومجتمع يوفر له بيئة صالحه للعمل

    لإسم: اخيك من الرصيف
    العنوان: نتفق معك ولكن
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    اتفق معك اخي حسن. مضمون المقال رائع ولكن ينقصه زاوية مهمه وهي ان هناك اناس يفضلون ان يعمل لهم الاجنبي قبل المواطن. وذلك لأسباب من ضمنها رخص التكلفة

    اخي حسن. يجب علينا ان نتعلم من أبائنا ولو القليل. ولله الحمد انا قد سبق لي وان اشتريت مسجل لسيارتي وقد طلب مني 50 دولار لكي يتم تركيبه ولكن من حكم خبرتي ان الموضوع يحتاج لأشغال ذهن و عمل جسدي بسيط لذلك قررت و فعلت والحمد لله نجحت في تركيبة ولم يستغرق مني 30 دقيقة ولم املك عندها إلا عدة بسيطه قد استعرتها من صديق لي.
    مضمون قصتي هو ان أبائنا و أجدادنا كانوا لا ينتظرون احدا لكي يفعل لهم ولكن كانوا هم يفعلون بأنفسهم و بأيديهم. ولم يكونوا يقتنعون بأي شئ ياتي من الأخرين لأنهم كانوا يعتبرونه عجز فيهم.
    والامر الاخر وهو المهم ان هناك من يذهب إلى الاجانب متعذرا بخبرته او قل تكلفته. وهم ما احبط المواطن للعمل بالأعمال الحره واليدويه. لذلك اللوم لا يقع على شبابنا فقط.
    شكرا حسن لما تقدمه

    ردحذف
  6. الله يعطيك العآفية يآرب
    جميل جدا أستاذ حسن
    تسلم يدك
    وافر الشكر لك
    احترامي وتقديري...

    ردحذف
  7. الكثير من الجرأة والقليل من الدعم من المؤسسات المختلفة

    سنرى من هذه النماذج الكثير .


    لحسن الحازمي .. قلم محترم جدا -أجدني أبحث عنه دائما- شكرا لك .

    عيسى جعفري

    ردحذف
  8. ينقص شبابنا الهمة والتوجه نحو الهدف

    شكرا أستاذنا على المقال الأكثر من رائع.

    ردحذف
  9. يحتاج المواطن العربي أولاً الثقة بنفسه ومن ثم بموهبته

    وينخلع عن عقدة كلام الناس !

    حسن الحازمي شكراً لك


    هدية عبد الله

    ردحذف
  10. م.حسن
    كم نحن بحاجة ماسة للطرح العملي الواقعي ، الطرح الذي يفتح الخيارات أمامنا ويجعلنا أمام أنفسنا، الطرح الذي يبعد ويقتل التبريرات المعروفة . .
    تحياتي لحسك ومسئوليتك
    نفع الله بك

    يوسف الهذلول

    ردحذف
  11. كم اتمنى ان تنمو وتزدهر وتشجع في مجتمعاتنا العربية مثل هذه المهن والهوايات
    التي يزاولها اصحابها عن متعــة وحب وبهذا يكون الاتقان

    قارئة المستقبل

    ردحذف