الأربعاء، يوليو 09، 2008

لماذا القيراطان؟

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد,,,

استيقظت صباح هذا اليوم فوجدت رسالة في جوالي...

نص الرسالة المترجم يقول "إنا لله و إنا إليه راجعون. الأخت باميلا من تويد هد والتي أسلمت قريبا –تُوفيت- وستقام صلاة الجنازة في مسجد القولد كوست الساعة الثالثة وبعدها ستُقبر في مقبرة الساوث بورت , الرجاء الدعاء لها"...

هذا النوع من الرسائل اعتدت عليه في الفترة الأخيرة حتى لم يعد يعني الشيء الكثير وللأسف...


صلاة الجنازة وقبلها غسل الميت وبعدها القبر معاني أصبحت تحمل كثيرا من الأعمال الجسدية بعيدا عن الجانب الروحي لكثرة ما تعودنا عليها...


ذهبت إلى الجامعة ناسيا أو متناسيا تلك الرسالة...

ونحن في الطريق إلى مصلى الجامعة لصلاة الظهر (مع أخي الفاضل أسامة العقيلي –طالب دكتوراه أردني) تذكرت تلك الرسالة وعرضت عليه مرافقتي وذكرت له فضل صلاة الجنازة وإتباعها إلى المقبرة وتذكرت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم {من صلى على جنازة ولم يتبعها فله قيراط ، فإن تبعها فله قيراطان . قيل : وما القيراطان ؟ قال : أصغرهما مثل أحد}


جبل احد الذي كنت أحاكيه وأعيش معه قبل يوميين!!!

قلت له هذا الحديث فأحسست بشعور غريب وكأني لأول مرة اسمع هذا الحديث...

كل قيراط كجبل احد... لما كل هذا الأجر...

هو كرم الله عز وجل ولا شك ومع ذلك عظم الأجر له دلالة على عظم العمل أو ما يترتب عليه...


ذهبت إلى صلاة الجنازة ولكن هذه المرة كنت أفتش عن شيء...


كانت الجنازة لامرأة أسلمت قبل اقل من شهر وهي تعاني من سرطان في المعدة...

وقد توفيت فنسأل الله أن يرزقنا وإياها الجنة وان يتجاوز عنا وعنها...

المسجد به عدد يتجاوز الخمسين من الرجال والنساء من المسلمين وغير المسلمين...

وكالعادة الحزن بادٍ على وجوه الأقارب والبقية كأننا في أي مناسبة عامة...

كلام في كل شيء إلا في الموت...


نصلي ونكبر التكبيرات الأربع ثم نحمل الجنازة ونتوجه بها إلى المقبرة أو نعود إلى بيوتنا دون أن نتبعها فقيراط يكفي...

في المقبرة عملية ميكانيكية وكثير من الجدل (قرب – بعد – ارفع – لو يسوون كذا يمكن أحسن- قبر فلان ترابه أحسن – المقبرة الفلانية ما توسخ الملابس – لو خلوا الدفن بعد الفجر عشان الحر – لا بعد العصر أحسن عشان الموظفين – المباراة إلي البارح – الاكتتاب الفلاني - الخ...) هذا الكلام وغيره تعودنا قوله وسماعه أينما ذهبنا...

وإن كان لكل بيئة اهتماماتها وكلامها لكن الإطار واحد "الدنيا"...


عند الوصول إلى المقبرة دخلت بحكم العادة في ذلك الجو...

ثم تذكرت مهمتي في هذه المرة فحاولت الدخول في عزلة شعورية مع نفسي...

وقلت لنفسي:

أخي ما بال قلبك ليس ينقي***كأنك لا تظن الموت حقا

ألا يا بن الذين فنوا وبادوا*** أما والله ما بادوا لتبقي


حاولت أن استحضر ما اعرف من الآيات والأحاديث التي تتكلم عن المصير وعن هذه الحفرة الضيقة التي سأنزلها يوما ما...


سألت نفسي ما ذا أعددت لها فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على شفير القبر { أي إخواني لمثل هذا فأعدوا}...

حقيقة الموت والنزول إلى القبر التي يقر بها كل الناس -مؤمن أو كافر- والكل يعمل لها مراسيم عند حدوثها لغيره...

فقد أجمعت الثقافات والأديان على مراسم دفن أو حرق أو ما شئت فكل له طريقته في توديع ذلك الراحل...

تلك الثقافات والأديان لا تركز على استعداد ذلك الراحل لتلك الرحلة...

ولكن نحن كمسلمين أحوج ما نكون للاستعداد لمثل تلك الرحلة فماذا اعددنا لها...


فمن العجب العجاب أن نبنى مجالس كبيره والحجة استيعاب المعزين لو توفي احد أفراد العائلة -كثيرا ما يكون أول المتوفَين هو من بنى ذلك المجلس- في حين نغفل عن توسيع ذلك القبر ببناء قد يكون اقل تكلفه لبيت من بيوت الله أو أي مشروع خيري...


عندما نسمع عن موت احد نبدأ بالسؤال عن كل شيء (كم معه من الأولاد – كم خدمته – كم وكم وكم..) نسأل عن دنياه التي فارقها ولا نسأل عن أخرته التي ارتحل إليها...

كل الأقارب يبكون في الظاهر لفراق أقربائهم, لكنهم في الحقيقة يبكون على أنفسهم أو قل لأنفسهم وما فقدوه لا على من مات وما سيلاقيه...

كما قال يزيد الرقاشي " كلكم يبكي لدنياي , اما فيكم من يبكي لآخرتي"


كثيرا ما نتخيل مصيبتنا بمن حولنا, فقد يموت الأب أو الأم أو الأبناء أو الزوجة أو احد الأقارب...


ولكن كم مرة نتخيل مصيبتنا بأنفسنا فهي والله أعظم مصيبة...

"مصيبتي بنفسي"

توجهت إلى سيارتي ماشيا على قدمي معافاً في بدني فقلت في نفسي هلاَ عملت لليوم الذي ادخل فيه مثل هذا المكان ثم لا أخرج منه إلى قيام الساعة...


حينها قلت لنفسي لعل القيراطين كانت تحفيزا لنا للمجيء إلى هذه المدرسة للاستعداد لذالك اليوم...

فقد حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله {زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة}

اسأل الله أن يعفو عنا ويتجاوز, وان ينير قبورنا وقبور إبائنا وأمهاتنا والمسلمين...

والحمد لله اولا واخيراً



  • لمزيد من دروس الغربة من هنا

هناك تعليق واحد:

  1. إنا لله و إنا إليه راجعون ..رحمها الله و جعل قبرها روضة من رياض الجنة .
    لم أذهب للجنازة بسبب موعد مسبق مع المشرف و ياليته جاء فضاع علي حضور الجنازة و لم أستفد من مقابلة المشرف .. الحمدلله على كل حال.
    أبو المعتصم معاني جميلة أشكرك على التذكير بها

    ردحذف