بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله,,,
لو أن شخصاً فتح النافذة المطلة على الشارع الذي يقع أمام منزله, وأخذ ينظر إلى المارة فوجد كل شيء على ما يرام, فربما وقف قليلا ثم أغلق تلك النافذة وعاد لإشغال نفسه بشيء آخر.
أما إذا كان هناك بعض التحركات الغير مألوفة كوجود سيارة غريبة أو مشاجرة بين الجيران أو موكب فرحٍ أو حُزن, أو أي شيء غير مألوف فسيستمر يتابع لفترة أطول, بل ربما تابع المشهد إلى آخره. وسيكون الأمر أكثر تشويقا لو تمكن من المشاركة المباشرة فيما يحدث هناك.
لقد أدرك القائمون على الإعلام حقيقة تطلع الإنسان لمتابعة الأمور الغير مألوفة, فاستغلوا تلك الرغبة أيما استغلال. فنجد الإعلام قائماً على تتبع تلك الأمور الغير مألوفة ثم التركيز عليها وتضخيمها وكأنها هي الأصل.
أحاول هنا فلسفة ما أسميه قواعد اللعبة حتى نتمكن من الخروج منتصرين أو على الأقل بأقل الخسائر من هذه اللعبة.
يعمل القائمون على أي وسيلة إعلامية لجذب أكبر شريحة ممكنة من المتلقين لوسيلتهم بهدف تحقيق الربح, فنجدهم يعتمدون على الإثارة بمختلف صورها.
وأبدأ بالإثارة الفكرية المتمثلة في مخالفة المألوف من نسف للثوابت و تلاعب بالمسميات , كما نجد التركيز على إبراز الخطاب المتطرف للجانبين - إفراطا أو تفريطا - متناسين السواد الأعظم من أهل التوسط والاعتدال.
كما لا يخفى على الجميع التركيز الشديد على الإثارة الجنسية كوسيلة جذب لشريحة عريضة من المتابعين, وذلك من خلال المشاهد المثير واللبس العاري واللعب بالعواطف لدى المراهقين بل ربما لدى كبار السن. ونجد شيءً من ذلك في الوسائل المقروءة من خلال الكتابة بأسلوب يصور أدق التفاصيل ويجعل القارئ يسبح في بحر من الخيال الماجن.
الإثارة الاجتماعية لها نصب الأسد في الخطاب الإعلامي, ويظهر ذلك جليا من خلال المسلسلات والبرامج التي هي أبعد ما تكون عن تصوير واقع المجتمع, بل تعرض ألأمور النادرة على أنها هي الأصل. كما نجد كثيرا من تلك الوسائل متطرفة جدا في عرضها للعلاقات الاجتماعية من زواج وطلاق ومشكلات زوجية. أما صفحات الحوادث فهي تزخر بحوادث الانتحار والاغتصاب ومثيلاتها , مما يصور لك مجتمعا يعيش في اضطرابات لا حدود لها.
إن المتابع لوسائل الإعلام بدون وعي لهذه الحقيقة التي يستند عليها الإعلام لرواجه (وهي الإثارة), سيتحول إلى شخص مضطرب من نواحي عدة, كما سيكون عنده استعداد نفسي - لا شعوري - للتعامل بشكل سلبي مع كثير من مجريات حياته اليومية.
فسنجده يفقد توازنه الفكري من خلال متابعته للكلام المنمق لأصحاب التوجهات المختلفة وسيخرج بقاعدة ذهبية تحرره من كل قيد ... "القضية خلافية" ... بل إنه ربما خرج بعد كل لقاء حواري بقناعة جديدة تكونت عنده كنتيجة لإبراز زاوية معينة من القضية المطروحة للنقاش مع إغفال - متعمد في أغلب الأحيان - للجوانب الأخرى.
ومن الناحية الاجتماعية سنجد المتابع يعيش إما في خيالات رومنسية لا تمت للواقع بصلة , فيعيش الشاب منتظرا لفتاة أحلامه التي لا تلبس إلا أحسن الثياب وتستخدم أجمل العطور في كل وقت وحين ولا تقول إلا أعذب الكلام. وأما الفتاة فتنتظر فارس أحلامها الذي يحقق لها كل ما تريد, فهو وسيم وغني وشاعري. أما علاقته أو علاقتها بأهلها أو بأهله فهي مبنية على الصورة السائدة في الإعلام من المكر والدسائس والكره المتبادل.
أضف إلى ذلك أن بعض المتابعين يتحول إلى موسوس يشك في كل من حوله, فقد سمع أن هناك زوجات يخن أزواجهن, و أطفال يعتدون على إخوانهم, وخادمات يسحرن من يعملن عندهم. كما سيخاف من كل منتج فهناك مواد غذائية مسرطنة وهناك ثقب الأوزون وهناك الاحتباس الحراري وهناك وهناك.
هم كإعلاميين يبحثون عن رواج سلعتهم القائمة على الإثارة وينسون أو يتناسون ما لهذه الطريقة في العرض من آثار مدمرة على الفرد والمجتمع.
أما أنا كمتلقي فأبحث عن الاستقرار النفسي القائم على الصفاء وسلامة الصدر. فإذا كان ولابد من متابعة لوسائل الإعلام فلننتقي أشرفها مهنية, ولنستخدم مرشحات عقلية تحمينا من تصديق كل ما ينشر ويقال.
ولنعي قواعد اللعبة الإعلامية حفاظا على أنفسنا ومجتمعاتنا...
روابط إخترتها لك:
- المقال منشور في سبق