الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله,,,
في أول رحلة قمت بها إلى الريف الأسترالي, شاهدت طبيعة تختلف كل الاختلاف عن الريف الذي نشأت فيه. هنا أماكن معدة للزيارة, تعرض لك الحياة الأسترالية في القرن الماضي, كيف كانت وكيف تطورت. كل شيء حولي أراه لأول مرة, ولكني في نفس الوقت أشعر بألفة شديدة نحوه وكأني نشأت في هذه البيئة.
براميل المياه الخشبية, العربات التي تجرها الخيول, الجواميس, كلها غير موجودة في بيئتي, واراها على الطبيعة لأول مره. شاهدت مكينة لغزل الصوف و أدوات للنجارة وأُخرى للحدادة وقطار يعمل بالفحم. كل شيء جديد بالنسبة لي, لكني لا اشعر أنه جديد, فلماذا؟
أهاا...البراميل الخشبية, تذكرت ... لقد رأيتها كثيرا على ظهر السفينة في مسلسل "فلونه" و "جزيرة الكنز", كما رأيت الكوخ الذي عاشت فيه "هايدي" مع جدها شيخ الجبل, لقد رايته مرارا يعمل على صنع أدواته الخشبية التي تشبه إلى حد كبير ما أراه الآن. كما رأيت المكينة التي تغزل عليها جدة بيتر. أما "دامبي" فعلمني كيف يكون رعي البقر. و لعل هذا القطار يشبه ذلك القطار الذي سافر فيه "السبع المدهش". بل حتى الأسماء, لم أواجه مشكلة في حفظها "سباستيان, جيم, جوليت, سيلفر, روبنسون, آنا, جاك, وليم, آندرسون ... والقائمة تطول".
عدت أفتش عن تلك المسلسلات التي نشأ عليها اغلب من يقرأ هذا المقال المنشور عبر هذه النافذة الإلكترونية. فوجدت أن أفلام الكرتون المدبلجة التي غزت العالم في السبعينات والثمانينات الميلادية هي صناعة يابانية في معظم الأحيان. وقد إستند اغلبها على روايات غربية معبرة بطبيعة الحال عن البيئة التي نشأ فيها كاتبوا تلك الروايات.
فقصة فلونه مستوحاة من رواية إنجليزية و جزيرة الكنز هي لروائي أسكتلندي اما هايدي فمقتبسة من رواية لكاتبة سويسرية و حول العالم في 80 يوما لقاصٍ فرنسي كما أن عدنان ولينا لكاتب أمريكي, وهلم جرا.
أما إذا اتجهت للمسلسلات الشرقية فستجد أشهرها مغامرات الفضاء - جرانديزر لمؤلفه الياباني, و فكرته قائمة على الصراع بين الخير والشر كما تراها الثقافة الشرقية. و لعل سندباد هو المسلسل الوحيد الذي أتذكر أن له علاقة بمدن وأسماء عربية, ولكني وجدت أنه من إنتاج شركة يابانية أيضا, وقد استند منتجوه على قصص ألف ليلة وليلة, ولا تسل فيه عن كثرة الجن والعفاريت التي تخرج من الخواتم والأباريق, فإختاروا من الف ليلة وليلة القصص الأكثر انسجاما مع ثقافتهم!!
إن كانت نشأتي في القرية جعلتني اعرف ولو شيئا يسيرا عن البيئة التي عاش فيها أبي وأمي ومن قبلهما أجدادي رحمهم الله, فقد عرفت أكثر عن الريف الأوربي والأسترالي من خلال افلام الكرتون. و إن كانت مؤسسة الإنتاج ألبرامجي المشترك لدول الخليج العربية ودور الدبلجة الأخرى قد قامت بجهد مشكور في تلك الفترة بمحاولة جعل تلك المسلسلات متناسبة مع قيم المجتمع الذي نعيش فيه. لكنها بطبيعة الحال لم تستطع أن تتحدث عن بيئتنا بكل ما فيها من طبيعة وبشر و أدوات. كما لم تتمكن تلك الجهود من أن تلغي المشاهد المتعلقة بالقيم المخالفة لقيمنا, فعليها مدار المسلسل في كثير من الأحيان.
أما ما نجده الآن في أفلام الكرتون المدبلجة فلم يعد يتحدث إلا عن حرب النجوم والقوى الخارقة وثقافة السوبرمان الأمريكية. لقد غابت البيئة والقيمة في آن واحد. فإذا ما هربت بأطفالي لمسلسلات الكرتون المنتجة عربيا, فإن وجدت بغيتي فلن يجدوا هم بغيتهم. إنها تعتمد على التوجيه المباشر بعيدا عن التشويق وزرع القيمة بطريقة ضمنية احترافية, مع ركاكة ظاهرة في الرسوم. كما أنها قد تناسب البنات أكثر من الأولاد.
وإن كنت اشكر كل جهد قائم, فإني اعتقد أننا بحاجة لعمل على مستوى عالي من الاحترافية والإتقان يوصل القيم التي نؤمن بها من خلال أفلام كرتون شيقة ومثيرة ونابعة من البيئة في نفس الوقت.
أتمنى أن نرى شيئا من ذلك قريبا فأطفالي يكبرون بسرعة وقد لا تستهويهم أفلام الكرتون التربوية المحضة طويلا...
روابط ذات علاقة:
اخي الحبيب حسن ...
ردحذفكم انت رائع ... وكم استمتع عندما اقرا مقالاتك المميزة ... والتي تزداد حبكة وتركيز يوما بعد يوم ...
اعجبتني المقالة اعلاه ... واعجبني اكثر ربطك للامور فيها ابتداء بالريف الاسترالي ومرورا بقريتك الصغيرة و من ثم ربط مارايت بالمسلسلات الكترونية وبعدها انتقلت الى الطفل وتاثرة بهذه المسلسلات والقيم التي يكتسبها منها سواء ايجاباً او سلباً ...
الى الامام ...
ابو ريان
عبدالمحسن المطوع
اهلا وسهلا ابو ريان
ردحذفبوركت اخي ابو ريان ....
واسال الله ان يبارك في جهودنا جميعا...
شاكرا متابعتك وتشجيعك الدائم
حسن
"فلونه" و "جزيرة الكنز", "هايدي" بيتر. أما "دامبي" "السبع المدهش"
ردحذفشخصيات وأفلام كرتونية تعلمنا منها الكثير ويربطنا بها الكثير من الحنين
كلما شاهدنا لمحة منها ,,
لكن طرأت في الفترة الأخيرة أفلام كرتونية تخجل العين أن تنظر لها لما فيها من دنو قيمي
ونشر الرذائل والأفكار السيئة ,, والأطفال هم المتضرر الأول من هذه الأفكار دون وعي منهم ودون توجيه من ذويهم,,,
عزيزي
شكراا لطرحك الرائع
فقد هيجت الحنين للماضي المشرق الجميل
تقبل مروري
سفير المعرفة
مدري لية اشعر بانك تشتاق للماضي مثلي
ردحذفوالله اني استمتع بما تكتب والله لايحرمنا من قلمك الجميل
السوادي
بارك الله فيك اخوي حسن .
ردحذفاعتقد ان جميع الامكانيات موجودة في البلد لكن اعتقد الجزء الاكبر من المشكلة عدم وجود الدافع للعمل
فهد
تعليق على "أن أفلام الكرتون المدبلجة التي غزت العالم في السبعينات والثمانينات الميلادية هي صناعة يابانية "
ردحذفعادك إلى اليوم يصدر كرتون ياباني بالهبل
لاكن المؤسسات العربيه مشكوره
لم "إلا عن حرب النجوم والقوى الخارقة وثقافة السوبرمان الأمريكية"
واستثني من حديثي قناة سبيس بور Space Power
واذا اردت المزيد ابحث بالانترنت عن كلمة أنيمي
وسوف تجيد الملايين من العرب المتلهفين لمشاهدة
المزيد من الانمي كما ذكرت
بالإضافه إلى وجود قسم منه مخصص للبالغين
أبدعت أستاذ حسن ورجعتنا لايام الطفولة
ردحذفمازلت أحفظ كل تلك المسلسلات المدبلجة وكتابها وتواريخها
لشغفي بها ولأنها كانت في أيام من أجمل أيام حياتي
من هروب
وما زلنا ننتظر من اعلامنا التحرك لسد هذة الثغرة بكارتون عربي عربي يحاكي قيمنا ومبادئنا
ردحذفأبدعت كعادتك يا ابا المعتصم
ابو ريان الأسترالي
شكرا لكل من مر من هنا
ردحذفوشكر خاص لمن علق واضاف
اخوكم
حسن
بعيدا عن الحنين للماضي.. فالثقافة العربية تعاني من هزال شديد في كل ما يتعلق بأدب الأطفال.. وأشد ما يظهر هذا في الانتاج التلفزيوني.
ردحذفيدهشك بشدة الحرب التي يتعرض لها المجتهدون في هذا المجال من كل التيارات الأخرى.
أستمتع بقراءة أفكارك.. دم بود.
اهلا اخي اشرف
ردحذفاسعدني مرورك كثيرا
فعلا هناك اهمال للطفولة في وطننا العربي في مجالات عدة
صحة، تربية، تعليم ....
شاكرا اضافتك
أشكرك على فتح ذكريات الماضي وتصويرك الرائع لتلك اللحظات التي عشنها سابقاً
ردحذفابو باسل
ماشاء الله عليك اخوي حسن .. رجعتنا لايام جميلة جدا
ردحذفشكرا لهذه التدوينة الرائعة
اخوك جبران زكري