العنوان: النقد الثقافي (قراءة في الأنساق الثقافية العربية)
المؤلف: عبدالله الغذّامي
الناشر: المركز الثقافي العربي ، 2001 م ، ط 2
عدد الصفحات: 312
هذا الكتاب يحاول الإجابة على عدد من الأسئلة التي يطرحها المؤلف مثل: هل الحداثة العربية حداثة رجعية؟ وهل جنى الشعر العربي على الشخصية العربية؟ وهل هناك انساق ثقافية تسربت من الشعر وبالشعر لتؤسس لسلوك غير إنساني وغير دمقراطي؟
الكتاب هو بحث أكاديمي مركز ومتمحور حول فكرة رئيسية واحدة يبذل لها المؤلف جهدا كبيرا يظهر جليا من خلال كثرة المراجع وتنوعها. تهدف الفصلين الأولين من الكتاب للتأصيل للفكرة ثم يرسخها من خلال الفصول الخمسة الباقية.
الفصل الأول: النقد الثقافي / ذاكرة المصطلح، ويتحدث عن الدراسات الثقافية وطبيعتها ويفصل في المصطلحات والمدارس المهتمة بالنقد الثقافي.
الفصل الثاني: النقد الثقافي / النظرية والمنهج، وهو كسابقه من حيث الاهتمام بالتأصيل وإن كان في نهايته يتحدث عن ما يسميه بالأصول النسقية للثقافة العربية.
الفصل الثالث: النسق الناسخ (إختراع الفحل)، وهو امتع فصل عندي مع الفصل السابع حيث يبدأ بقوله "المتنبي مبدع عظيم أم شحاذ عظيم؟ أم هو الاثنان معاً؟ وهل في ثقافتنا علة أو علل نسقية تجعلها خطاباً منافقاً ومزيفاً، غير واقعي وغير حقيقي وغير عقلاني؟ وهل الشعراء مسؤولون عن ذلك؟ وهل صورة (الأنا) الطاغية صيغة متجذرة وأصيلة أم أنها اختراع شعري تسرب إلى سائر الخطابات والسلوكيات؟ الواقع أننا لا نوجه سؤالاً خاصاً، بل إن السؤال يتجه إلى النسق الثقافي العربي كله، وهو نسق كان الشعر ومازال هو الفاعل الأخطر في تكوينه أولاً وفي ديمومته ثانياً. وفي الشعر العربي جمال وأي جمال، ولكنه أيضاً ينطوي على عيوب نسقية خطيرة جداً، نزعم هنا أنها كانت السبب وراء عيوب الشخصية العربية ذاتها، فشخصية الشحاذ والكذاب والمنافق والطماع، من جهة، وشخصية الفرد المتوحد فحل الفحول ذي الأنا المتضخمة النافية للآخر، من جهة ثانية، هي من السمات المترسخة في الخطاب الشعري، ومنه تسربت إلى الخطابات الأخرى، ومن ثم صارت نموذجاً سلوكياً ثقافياً يعاد إنتاجه بما إنه نسق منغرس في الوجدان الثقافي، مما ربى صورة الطاغية الأوحد (فحل الفحول)..... وإن كنا قد صرفنا قروناً من الإعجاب والاستمتاع بالشعر العربي، وحق لنا إذ نفعل، وهو فعلاً شعر عظيم ولا شك، غير أن جمالياته العظيمة تخبئ قبحيات عظيمة أيضاً. وعلى الرغم من وجود صفات أخلاقية وجمالية راقية في الشعر يحسن بنا أن نتعلمها وأن نتمثلها، وهي ما يبرر دعوات تعلم الشعر وتربية الناشئة عليه، إلا أن فيه صفات أخرى لها من الضرر ما يجعل الشعر أحد مصادر الخلل النسقي في تكوين الذات وفي عيوب الشخصية الثقافية.......ولنتصور الصور الثقافية التالية: شخصية الشحاذ البليغ (الشاعر المداح) و شخصية المنافق المثقف (الشاعر المداح أيضا) و شخصية الطاغية (الأنا الفحولية) وشخصية الشرير المرعب الذي عداوته بئس المقتنى (الشاعر الهجاء). هذه صور حية في التجربة الشعرية، حتى إن الشاعر الذي لا يمدح ولا يهجو ولا يفاخر لا يعد إلا ربع شاعر، كما قيل عن ذي الرمة". هذا الفصل مليئ بالشواهد الشعرية التي تعزز ما ذهب اليه المؤلف.
الفصل الرابع: تزييف الخطاب / صناعة الطاغية، وفيه يتحدث عن تحول "نحن" إلى "أنا" مثلما تحولت القيم من بُعدها الإنساني إلى البُعد الذاتي النفعي وكما تحول الخطاب الثقافي إلى خطاب كاذب ومنافق. الكاتب يرى أن هذا حدث في اواخر العصر الجاهلي متزامنا مع نشؤ ممالك في شمال الجزيرة العربية تملك الثراء وتطلب الثناء ثم انحسر هذا التغير الثقافي في عصر صدر الاسلام ليعود في زمن الدولة الأموية وليترسخ أكثر في زمن الدولة العباسية مع عصر التدوين وما زلنا نجتره إلى اليوم! يقف المؤلف طويلا مع المتنبي في هذا الفصل كنموذج صارخ للأنا المتعالية.
الفصل الخامس: إختراع الصمت / نسقية المعارضة، وفي هذا الفصل يتحدث عن تجذر ثقافة الصمت والحظ عليها في اثقافة العربية بشكل ملفت لتصبح هي الوسيلة المثلى للمعارضة ويرى أن هذا خلاف الفطري والمنطقي فالأصل الذي يميز الإنسان عن غيره من المخلوقات هو القدرة على التعبير فلما الصمت! ليخرج بأن الطغيان والأنا والفحولة تُلزم ما عداها بالصمت لتحقق ذاتها.
الفصل السادس: النسق المخاتل / الخروج على المتن، ويضرب فيه مثلا يسهب فيه بالجاحظ كمثال عن من حاول الخروج عن النسق من خلال الاستطراد بالحديث عن المهمشين والبسطاء وإن كان لم يجاهر بذلك بل أدخلها في كتاباته كاستطراد عن المتن كما في كتابه البيان والتبيين.
الفصل السابع: صراع الأنساق (عودة الفحل / رجعية الحداثة)، وهذا الفصل يمكن ان نقسمه لقسمين الأول عن نزار قباني كوريث للنسق الثقافي العربي بكل تفاصيله والثاني عن أدونيس كمثال لرجعية الحداثة ويطيل في كل من القسمين ويورد الشواهد متعجبا من تقبلنا بل وصناعتنا لمثل هذه النماذج المريضة فنجده يقول:
"وهذا يوضح مدى قدرة النسق على التغلغل إلى بواطننا والتحكم بردود أفعالنا، كما يوضح مدى سيطرة النسق على عاداتنا القرائية والذوقية، وإلا كيف نتقبل خطاباً يتضمن الهيمنة ويدعو إلى عبودية الفرد وينطوي على فردية مطلقة وحس متعالٍ ينفي الآخر ويقول بالإطلاق، في زمن نقول فيه بالحرية والتعدد والاختلاف وقبول الآخر...؟! إن هذا يجري لنا في وقت واحد، حيث نستهلك خطابات الهيمنة ونتمثلها في تناقض تام مع ما نؤمن به صراحة، وهذا هو فعل النسق".
وهنا أختم بقول المؤلف: "إن الجمهور الراضي و المصفق يربي سيده على مزيد من الغلو والغرور".
هذا الكتاب وبقية كتب ومقالات الدكتور عبدالله الغذّامي متوفرة الكترونيا من خلال موقعه ويمكنك زيارته من هنا.
مواضيع وروابط أخترتها لك:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق