الخميس، أكتوبر 07، 2010

في مهب المعركة

image

العنوان: في مهب المعركة

المؤلف: مالك بن نبي

الناشر: دار الفكر ، 1427 هـ، 2006 م

عدد الصفحات: 176

ضمن سلسلة مشكلات الحضارة ياتي كتاب "في مهب المعركة" وتذكر مقدمة الكتاب للدكتور عمر مسقاوي أن الكتاب هو مجموعة من المقالات التي كتبها المفكر مالك بن نبي رحمه الله، في باريس، في نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات. وقد سمى مجموعة المقالات هذه بهذا الاسم "في مهب المعركة"، باعتبارها إرهاصاً للثورة الجزائرية وتسويغاً لدوافعها. ففي المقالات يمكن تلمس فكر بن نبي وقد أحاط بشخصية الشعب الجزائري بل بشخصية العالم الثالث، الذي كان وما زال خارج إطار الحضارة الحديثة.

فمنذ منتصف الثلاثينات، برز المهندس مالك بن نبي يختط للنضال سبل الفعالية، ويمنح الشباب الجزائري آفاقاً تبدد ضباب الاستعمار، ويضع لثقافة الجيل أسساً من أصالة التاريخ وقيم العقيدة. هذه الأصالة يمكن قراءتها في كل مقال كتبه مالك بن نبي، في هذه المجموعة، يواجه بشجاعة نادرة الاستعمار الجاثم على أرض الجزائر. ولم يكن سبيله إلى تلك المواجهة، ما تعارف عليه سياسيو ذلك الزمن، في ديماغوجية تلعب بعواطف الجماهير. فقد اختط مالك بن نبي طريقاً إلى عمق القضية، يطرح القواعد الثابتة لتطور التاريخ ثم يشرح في بناء الذات الجزائرية على أساس تلك القواعد.

قدم للكتاب الاستاذ محمود محمد شاكر رحمه الله ويقول إن هذه المجموعة من المقالات هي عنده من أنفس ما كتب مالك بن نبي "لأنها تكشف عن فكر رجل خبير، فكر في الأمور ساعة بعد ساعة وقيد هذا الفكر في حينه، فإذا نحن نرى أنفسنا في ضوء ما كتب قديما، كأننا لم نتقدم خطوة في فهم البلاء الذي ينزل بنا ولا يزال ينزل".

وأقول أنه مع أن غالب الكتاب يتحدث عن الاستعمار الذي زال شكلا من العالم الإسلامي فإن فيها من الفائدة والأفكار ما يجعل الكتاب مناسب لأبناء جيلنا الذين لم يرو الوجه القبيح الظاهر للعيان للاستعمار فهو لا يزال موجود بألوان أخرى يساعدنا هذا الكتاب على فهمها والتعامل معها.

يقع الكتاب في أربعة فصول رئيسية وينقسم كل فصل الى مجموعة من المقالات والمباحث. وهنا أعرض مستخلص الناشر مع أضافاتي عليها لتقديم عرض موجز لا يغني عن قراءة الكتاب.

الفصل الأول بعنوان "الإستعمار تحت المجهر" و يبدأ بالحديث عن سيكولوجية الاستعمار، ويتحدث عن تحديد تاريخ الانفصال في الضمير الأوربي. ثم العوامل الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية التي تتصل بالنزعة الاستعمارية اتصالاً تكوينياً. ثم يتناول علاقة المستعمِر بالبلاد المستعمرَة. كما ينتقل للحديث عن الفوضى الاستعمارية، ويتناول مفهوم الحماية ومفهوم الحضانة. ثم دور الاستعمار في عقم المفاهيم القانونية والقيم الأخلاقية التي قامت عليها. ثم يتحدث عن الترتيبات التي يضعها الاستعمار لإفقار البلاد التي يستعمرها مادياً وكيف يتبعها بترتيبات خاصة بتلويثه الأخلاقي، ليزيد الإفقار والتلوث معاً.

الفصل الثاني بعنوان "في وحل السياسة" و يتحدث عن العلاقات المتسترة التي تنشأ أحياناً في البلاد المستعمرَة بين الاستعمار وبعض القادة السياسيين في تلك البلاد. ثم يتحدث عن القانون ومهنة الاستعمار وجرائمه. ويتناول الصحافة الاستعمارية ودورها في خدمة الاستعمار. ثم يتحدث عن أبواق الاستعمار وفقدان المبدأ الأخلاقي في سلوك بعض المثقفين.

في الفصل الثالث "في الحقل الاجتماعي" يتحدث عن قضية المرأة المسلمة ويعقد مقارنة جميلة بين المجتمع الذكوري والمجتمع الانثوي كما يعرض لقضية تحرير المرأة والفوضى الحادثة فيما يُسمى بالتطور وهو في حقيقته تهور. في هذا المبحث استوقفني تفريقه بين الممارسات والقيم فبحكم تخصصي لم أجد هذا التفريق يظهر في الاطروحات الغربية إلا في بداية الثمانينات بينما يعرضه هو قبل ذلك بأكثر من ثلاثين سنة ليفرق بين التغير في القشور والذي لا يمس الجوهر ويضرب مثلا بالمهاجرات من يهود الجزائر!

الفصل الرابع "في حديقة الثقافة" ويتحدث فيه عن مشكلة الأفكار الميتة والأفكار القاتلة في المجتمع كما يتحدث عن مفهوم الثقافة وإعادة بناء الفكر الإسلامي. ومشكلة النخبة المثقفة في العالم الإسلامي والأسباب الاجتماعية والنفسية الموروثة التي تحول دون التطور الفكري ومواصلة العمل الفكري عند هذه النخية عكس النخبة في بلاد أخرى. كما يتحدث في هذا عن مفهوم النقد السليم وما يتضمنه من جانب أخلاقي وآخر فني، وارتباط فعالية النقد بشرطي الإخلاص للشهادة، والكفاءة للحكم.

يخصص جزء كبير من هذا الفصل للحديث عن وحدة الثقافة في الهند وفكرة اللاعنف عند غاندي الذي يشير إليه كثيرا في كتاباته بإعجاب شديد كما يعرفنا بشخصية رومان رولان صاحب كتاب (جان كريستوف) ويعتبره صاحب فضل في تعريف العالم المتحضر بفكرة غاندي "فكرة اللا عنف".

يختم هذا الفصل بتناول الأساس القيمي لفلسفة الإنسان في الإسلام وهو من المباحث القيمة في هذا الكتاب ثم يختم الفصل والكتاب بمقال قصير عن الدراسات العصرية والتصوف الإسلامي يظهر فيه أسفه على تقصيرنا في عرض النماذج الإجابية في ثقافتنا وتاريخنا وتعريفنا للعالم بها.

رحمك الله يا مالك بن نبي وجعل ما قدم في موازين حسناته و إلى لقاء قريب مع كتاب آخر.


مواضيع وروابط أخترتها لك:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق