العنوان: تأملات
المؤلف: مالك بن نبي
الناشر: دار الفكر ، 1427 هـ، 2006 م
عدد الصفحات: 240
ضمن سلسلة مشكلات الحضارة ياتي كتاب تأملات الذي يقول د عمر مسقاوي في تقديمه للكتاب: وتأملات مالك بن نبي يدخل في نطاقها المجتمع العربي، كما يدخل العالم الإسلامي والعالم المتخلف في عمومه. والتأملات هذه تجربة ...إنها حصيلة ما أحاط بالمؤلف من أحداث في الخمسينات وبداية الستينات.
وعلى الرغم من زمن طويل يفصلنا عن أفكار هذه التأملات التي جاءت حصيلة أفكار محاضرات ألقاها هذا المفكر، فإنها ما تزال تخاطبنا في مسيرتنا نحو المستقبل، وما تزال تأملات مالك بن نبي في صميم المشكلة، تحفزنا في السياسة كما تحفزنا في الاقتصاد والاجتماع إلى تأصيل المنهج وبناء الثقافة القائمة على توظيف الطاقات الإنمائية في خدمة المجتمع...
و لقد نرى مالكاً كاتباً إسلامياً، يختار الإسلام صيغة تعبر عن نهضتنا وثقافتنا المرتقبة، ولكنه أبعد ما يكون عن أولئك الذين يزينون الإسلام بزينة الحضارة المعاصرة.... لذا اهتم بن نبي بدراسة التاريخ يرقب سير الحضارات ويستخلص القواعد الثابتة والسنن التي لا تبديل لها. وقد أضاف بمؤلفاته ومحاضراته إلى فكرنا آفاقاً صافية، لا يشوبها ضباب الثقافة الغربية ونماذجها المستوردة....
فالمؤلف بما أوسع لمحاضراته من تحليل، وبما أكثر من أمثال، قد شاء أن يحدد لتجارب الحضارة المعاصرة حجمها الطبيعي، نتيجة للمحل المشترك في مرحلة من مراحل تطور الإنسان. فالأستاذ مالك بن نبي يطرح القواعد الأساسية لفعالية الإرادة الإنسانية وقوتها في صنع الحضارة.
الكتاب عبارة عن نصوص لعدد من المحاضرات التي القاها مالك بن نبي رحمه الله في الفترة ما بين عام 1959 وعام 1961 م في عدد من المدن السورية واللبنانية وغالبيتها كانت موجهة للشباب.
المحاضرة الأولى - حسب ترتيب الكتاب لا الترتيب الزمني - كانت بعنوان "الصعوبات بوصفها علامة نمو في المجتمع العربي" وقد فرق فيه بين الثقافة والسياسة مركزا فيها على أن القضية ليست في ترتيب القيم الاجتماعية ولكن في بنائها متضامنة متكاملة كبناء الكائن الحي الذي ينمو في جميع جوانبه في وقت واحد. وذكر قصة معبرة حصلت له في مرسيليا مفادها ان مثقفا عربيا كان في حالة يرثى لها من الفقر والعوز في الوقت الذي كانت عجوز شمطاء تغني في مقهى لتحصل على دخل يوم واحد قد يكفي صاحبنا اشهرا ! ويختم بعبارة تخط بماء الذهب:
"إن القضية قضية مجتمع لا قضية فرد... إنني أرى أن المتاعب التي تهاجم الفرد والمصاعب التي تعترضه في الطريق، ليس مصدرها تكوينه الخاص ولكن صلته بمجتمع معين، فالمجتمع المتحضر يكفل الضمانات للفرد مهما كانت قيمته، والمجتمع المتأخر لا يقدم الضمانات ولا يمكنه تقديمها، لأن الحياة تتكامل بوصفها كلا ولا يمكن لمجتمع أن يتحمل مسؤليته هنا ووسائله في مجال آخر قصيرة".
كما يختم المحاضرة بقوله "فينبغي علينا أن نتخلص من نفسية المستحيل ونفسية التساهل، فليس هناك شيء سهل وليس هناك شيء مستحيل. ثم إن الباب الذي ينبغي أن نعود منه للحضارة هو باب الواجب وأن نركز منطقتنا الاجتماعية والسياسية والثقافية على القيام بالواجب، أكثر من تركيزنا على الرغبة في نيل الحقوق، لأن كل فرد بطبيعته تواق إلى نيل الحقوق، ونفور من القيام بالواجب".
المحاضرة الثانية بعنوان "المسوغات في المجتمع" ويناقش فيها اسباب غياب الفاعلية في المجتمعات الاسلامية المعاصرة وكعادته يتتبع ذلك تتبعا تاريخيا في مقارنة مع الأمم الأخرى ليركز على أن قمة الفاعلية في مجتمع ما تكون في حالة "التوتر" وهو التعبير الذي يستخدمه للتعبير عن مرحلة ترسخ فكرة حضارية وسيطرتها على أمة من الامم لتدفعها للنهوض بكل قوة واتزان.
المحاضرة الثالثة بعنوان "قيم إنسانية وقيم اقتصادية" ويرى في هذا المبحث أن متوسط دخل الفرد في أمة من الأمم يساوي مكانة المجتمع في سلم الحضارة (ولعل هذا كان قبل ارتفاع مداخيل بعض الدول المتخلفة بسبب الثروة المستخرجة من باطن الأرض !) كما يركز في هذا المبحث - كما هي عادته - على مسالة الثقافة السائدة واثرها في تقبل النماذج المستوردة ليخلص إلى "أن العلاج الجذري لمشكلات التخلف، ليس في مواجهة هذه المشكلات بوسائل جاهزة .... بل لابد من مواجهتها بإنشاء حضارة توظف الطاقات الاجتماعية الموجودة".
محاضرة "الدمقراطية في الإسلام" هي أطول فصول الكتاب ويرى أن الدمقراطية ليست وصفة سحرية تستورد بل هي قيمة تنتج في مجتمع مركزا على أن مبادى الدمقراطية يفترض أنتكون مغروسة في ضمير كل مسلم ويختم بقوله "فإشعاع الروح الدمقراطي الذي بثه الاسلام ينتهي ... عندما يفقد أساسه في نفسية الفرد، أي عندما يفقد الفرد شعوره بقيمته وقيمة الآخرين".
محاضرة "التضامن الإفريقي الآسيوي" وهي فكرة تكررت كثيرا في اطروحات مالك بن نبي بل لديه كتاب كامل بهذا العنوان وخلاصة ما يذهب إليه هو أن الحضارات في القارتين أقرب للتكامل منها إلى التنافر ولذا فعلى شعوب القارتين السعي للاتحاد قدر الامكان.
محاضرة "الفعالية" وفيها يركز على دور الفرد ويرى بأن تسعى كل المشاريع الثقافية والسياسية إلى إقناعه أولا ليحمل الفكرة وينتقل إلى تطبيقها فهناك ستتحقق الحضارة.
محاضرة "الثقافة" ولمالك كتاب بعنوان "مشكلة الثقافة" وقد اهتم بها كثيرا في كثير من كتبه وهو يرى الثقافة أنها "الجو المشتمل على أشياء ظاهرة، مثل الأوزان والألحان والحركات وعلى أشياء باطنة كالأذواق والعادات والتقاليد. بمعنى أنها الجو العام الذي يطبع أسلوب الحياة في مجتمع معين وسلوك الفرد فيه بطابع خاص، يختلف عن الطابع الذي نجده في حياة مجتمع آخر". كما يرى أنها تنقسم إلى اربعة فصول : أخلاق، جمال، منطق عملي وعلم وقد فصل في ذلك في كتابه مشكلة الثاقفة. وكباحث في مجال الثقافة أعجب من دقة توصيف مالك لهذا الموضوع فقد سبق كثيرا من التعريفات الغربية لها.
محاضرة "كيف نبني مجتمعا أفضل؟" ويفرق في هذه المحاضرة بين التكديس والبناء ويقارن هنا بين اليابان الذي درس الحضارة الغربية بالنسبة لحاجاته وليس بالنسبة لشهواته. فلم يصبح من زبائن الحضارة الغربية يدفع لها أمواله وأخلاقه.
محاضرة "خواطر عن نهضتنا العربية" وفيها يركز على أننا استوردنا الأشياء من الغرب ولم نستورد الأفكار مع اهمالنا لخصائصنا الثقافية "والبناء لا يتم بالاشياء مهما كانت صلاحيتها وثمنها، وإنما يتم بالدوافع التي تحرك تلك الأشياء".
المحاضرة الأخيرة في هذه التأملات هي "رسالتنا إلى العالم" ويرى في هذا المبحث أن لكل تكتل بشري إسهاما معين في الحياة البشرية ويرى أن العالم الإسلامي يمكن أن يكون ضميرا للحياة الأنسانية بما ورثه من قيم راقية فيما يتعلق بنظرته للجنس البشري.
رحم الله مالك بن نبي وجعل ما قدم في موازين حسناته و إلى لقاء قريب مع كتاب آخر.
مواضيع وروابط أخترتها لك:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق