الخميس، أكتوبر 07، 2010

ميلاد مجتمع

image

العنوان: ميلاد مجتمع

المؤلف: مالك بن نبي

الناشر: دار الفكر ، 1427 هـ، 2006 م ، ط 3

عدد الصفحات: 128

ضمن سلسلة مشكلات الحضارة ياتي كتاب "ميلاد مجتمع" وقد وقفت على طبعة سابقة عنوانها "ميلاد مجتمع شبكة العلاقات الاجتماعية" وهو ما يناسب الكتاب أكثر. و شبكة العلاقات الاجتماعية تشمل - كما يذكر في مقدمته - المفاهيم النظرية للعناصر التاريخية الخاصة بميلاد مجمتع. ويركز في هذه الدراسة على تحديد مفهوم المصطلحات المستخدمة وخاصة مفهوم لفظة "مجتمع". كما يقول في مقدمته "إننا نريد أن نعطي للقارئ العربي والمسلم فرصة التأمل في هذه المرحلة من تاريخ المجتمع، حين يولد، أو حين ينهض، وذلك بأن نريه أن النهضة الحقة تقع في ظاهرة اجتماعية عبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه المشهور(لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها).

وفي بداية المبحث الأول الذي جاء بعنوان "أوليات" يظهر لنا هدف الكتاب فنجده يقول "لم تبلغ العلوم الإنسانية بعد درجة تحديد مصطلحاتها بصفة عامة، كما حدث للعلوم الطبيعية، فإن في علم الاجتماع بعض المفاهيم التي تبدو غير محددة في ذهن القارئ في البلاد الإسلامية، حيث نجد أن اللغات المحلية لما تتمثل تماماً المصطلحات الحديثة. ولقد يؤدي تعقد المصطلحات إلى مناقشات أقرب إلى الطابع الأدبي منها إلى منطق العلم، كتلك المناقشة التي ثارت وتثور غالباً حول مصطلحي حضارة ومدنية في البلاد العربية. بيد أن هذه المناقشات لا تعين على جلاء الموضوع، بل تجعله أكثر صعوبة. فمن المفيد إذن أن ننشئ أولاً الإطار النظري لموضوعنا (ميلاد مجتمع) قبل أن نعالجه من زاويته التاريخية. وهكذا تجد من المناسب أن نذكر في مستهل دراستنا تنوع الظواهر الاجتماعية التي تنطبق عليها لفظة مجتمع فنذكر أولاً الفرق الجوهري بين المجتمع الطبيعي أو البدائي الذي لم يعدل صفاته وبين المجتمع التاريخي الذي ولد في ظروف معينة، ولكنه عدّل، من صفاته طبقاً لقانون تطوره".

المبحث الثاني بعنوان "النوع والمجتمع" ويدعو فيه إلى تحديد المجتمع في نطاق الزمن ليخرج بتعريف للمجتمع بأنه "الجماعة التي تغير دائما خصائصها الاجتماعية بانتاج وسائل التغيير، مع علمها بالهدف الذي تسعى إليه من وراء هذا التغيير". وقد أصابني هذا التعريف بشئ من الذهول فهل تعي مجتمعاتنا هدفها من التغيير أم انها مجبرة عليه في أغلب الأحيان! ويختم المبحث بقوله "إن الطبيعة توجد النوع، ولكن التاريخ يصنع المجتمع. وهدف الطبيعة هو مجرد المحافظة على البقاء، بينما غاية التاريخ أن يسير بركب التقدم نحو شكل من أشكال الحياة الراقية، هو ما نطلق عليه اسم الحضارة".

مبحث "الآراء المختلفة في تفسير الحركة التاريخية" ويعرض فيه أن النظرة الغربية للتاريخ منطلقة من نظرة (هيجل) الذي يرى بالتعارض او الجدلية التاريخية و(ماركس) التقفها ولكنه حصرها في التعارض الإقتصادي أما (تونبي) فيرى بما يسميه بالتحدي ثم يخرج هو بنظرة مهذبة عن ما سبق فيما يسميه الوعد والوعيد الموجودة في القران.

مبحث قصير يأتي بعنوان "التاريخ والعلاقات الاجتماعية" وفيه يقول بأن صناعة التاريخ تتم تبعاً لتأثير طوائف اجتماعية ثلاثة: عالم الأشخاص و عالم الأفكار و عالم الأشياء. وهي فكرة تكرر في كتب مالك بن نبي كثيرا ويفصل فيها كثيرا في كتابه مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي.

مبحث "طبيعة العلاقات" ويفتتحه بقوله "لو أننا وجدنا في مكان معين في زمن معين، نشاطاً متآلفاً من الناس والأفكار والأشياء دلنا ذلك على أن الحضارة قد بدأت في هذا المجال، وأن تركيبها قد تم فعلاً في عالم الأشخاص. إن العمل الأول في طريق التغيير الاجتماعي هو العمل الذي يغير الفرد من كونه (فرداً) إلى أن يصبح (شخصاً) وذلك بتغيير صفاته البدائية التي تربطه بالنوع إلى نزعات اجتماعية تربطه بالمجتمع. فهذه العلاقات الخاصة بعالم (الأشخاص) هي التي تقدم الروابط الضرورية بين الأفكار والأشياء في نطاق النشاط المشترك الذي يقوم به مجتمع ما". وفي هذا المبحث يرى ان التفسير الاقتصادي الماركسي للتاريخ غير صالح في مجتمع غير المجتمع الذي نشأت فيه تلك النظرية.

مبحث "الثروة الاجتماعية" يفتتحه بقوله "لا يقاس غنى مجتمع بكمية ما يملك من أشياء، بل بمقدار ما فيه من أفكار". ومثاله في ذلك المثال الذي يكرره كثيرا بنهضة المانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية لوجود عالم الأفكار رغم تحطم الأشياء.

مبحث "المرض الاجتماعي" ويبدأ بقوله "وهكذا الأمر دائماً فإذا ما تطور مجتمع ما على أي صورة، فإن هذا التطور مسجل كماً وكيفاً في شبكة علاقاته". ويعتبر أن التمزق والتفكك هو المرض الاجتماعي الذي يجهز على كل حضارة. "فعندما أختفت الإمبراطورية الآشورية القوية في القرن الخامس قبل الميلاد لم يكن الحدث التاريخي ليعزى إلى صدمة الحرب، ولكن إلى تحلل المجتمع الذي كان يمثل هذه الإمبراطورية، والذي أصبح فجأة عاجزاً عن أي نشاط مشترك، فشبكة علاقته المتمزقة لم تعد تتيح له أن يحافظ على إمبراطورية (آشور بانيبال) القوية".

مبحث "المجتمع والقيمة الخلقية" ويركز فيه على القيمة الثقافية الخُلقية كعنصر جوهري في وجود شبكة العلاقات الاجتماعية اللازمة لميلاد مجتمع. وفي المبحث الذي يليه "الدين والعلاقات الاجتماعية" يرى الدين هو الباعث لتلك القيمة ويختم المبحث بقول الله عز وجل (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم 63 الأنفال).

مبحث "شبكة العلاقات والجغرافيا" ويحلل فيه ارتباط الفكرة الدينية بمكان معين من خلال عرض ارتباط اوربا بالمسيحية كمثال. أما مبحث "العلاقات الاجتماعية وعلم النفس" فيرى فيه أن المجتمع ينتج أفراده وهم من يطوره فالعلاقة تبادلية. كما يرى أن العنصر الديني يتدخل في تكوين الطاقة النفسية الأساسية لدى الفرد.

مبحث "فكرة التربية الاجتماعية" وقد أورد فيه قول المؤرخ جيزو حين قال (إن مشكلة التاريخ يمكن أن تتصور بطريقتين، فأما أن نحلها في نفس الفرد ذاته، ناظرين إلى ما يغير ذاته الإنسانية، وأما أن نحلها في نطاق ما يحيط به ناظرين إلى ما يغير إطاره الاجتماعي). ثم عقب بقوله أن القواعد العامة للتربية الاجتماعية ينبغي ان تستقي من علم التاريخ وعلم الاجتماع وعلم النفس. مع تركيزه على جانب التاريخ كأكبر مؤثر. ويستدل لذلك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم حين قال (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها).

مبحث "شبكة العلاقات الاجتماعية والاستعمار" ومما يذكر فيه "قد تكفي لذعة إبرة في مكان مناسب ليحل الشلل بشبكة العلاقات الاجتماعية في بلد مستعمر".

مبحث "دفاع عن شبكة العلاقات الاجتماعية" و يرى فيه أن المعنى الأول للحضارة بل للأديان هو "أن يتعلم الانسان كيف يعيش في جماعة، ويدرك في الوقت ذاته الأهمية الرئيسية لشبكة العلاقات الاجتماعية، في تنظيم الحياة الإنسانية، من أجل وظيفتها التاريخية".

المبحث الأخير "الشروط الأولية للتربية الاجتماعية" ويركز فيه على مشكلة الثقافة التي سبق أن افرد لها كتابا بهذا العنوان. ويلخصها هنا بقوله "ينبغي أن نهيئ في بلادنا المحيط اللازم لتطبيق ما نتصوره من حلول لمشكلاتنا". ويكرر حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين قال (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها). ويختم كتابه بقوله "ومع ذلك فهذه التأملات لا تنشئ حلا، ولكنها مجرد خطوة على طريق المشكلة ذات الأهمية الخطيرة بالنسبة لمستقبل العالم الإسلامي".

من مزايا هذا الكتاب إيراد الأفكار الرئيسية بخط سميك يجذب تركيز القارئ كما يوجد في بداية كل مبحث المامه سريعة بما تم توضيحه في المباحث السابقة له وما سيتم اتمامه فيه فالكتاب قد كتب بطريقة عميقة ومرتبة. فرحمك الله يا مالك رحمة واسعة وجعل ما قدم في موازين حسناته و إلى لقاء قريب بإذن الله.


مواضيع وروابط أخترتها لك:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق