الثلاثاء، مارس 31، 2009

قواعد اللعبة

OLYMPUS DIGITAL CAMERA

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله,,,

لو أن شخصاً فتح النافذة المطلة على الشارع الذي يقع أمام منزله, وأخذ ينظر إلى المارة فوجد كل شيء على ما يرام, فربما وقف قليلا ثم أغلق تلك النافذة وعاد لإشغال نفسه بشيء آخر.

أما إذا كان هناك بعض التحركات الغير مألوفة كوجود سيارة غريبة أو مشاجرة بين الجيران أو موكب فرحٍ أو حُزن, أو أي شيء غير مألوف فسيستمر يتابع لفترة أطول, بل ربما تابع المشهد إلى آخره. وسيكون الأمر أكثر تشويقا لو تمكن من المشاركة المباشرة فيما يحدث هناك.

لقد أدرك القائمون على الإعلام حقيقة تطلع الإنسان لمتابعة الأمور الغير مألوفة, فاستغلوا تلك الرغبة أيما استغلال. فنجد الإعلام قائماً على تتبع تلك الأمور الغير مألوفة ثم التركيز عليها وتضخيمها وكأنها هي الأصل.

أحاول هنا فلسفة ما أسميه قواعد اللعبة حتى نتمكن من الخروج منتصرين أو على الأقل بأقل الخسائر من هذه اللعبة.

يعمل القائمون على أي وسيلة إعلامية لجذب أكبر شريحة ممكنة من المتلقين لوسيلتهم بهدف تحقيق الربح, فنجدهم يعتمدون على الإثارة بمختلف صورها.

وأبدأ بالإثارة الفكرية المتمثلة في مخالفة المألوف من نسف للثوابت و تلاعب بالمسميات , كما نجد التركيز على إبراز الخطاب المتطرف للجانبين - إفراطا أو تفريطا - متناسين السواد الأعظم من أهل التوسط والاعتدال.

كما لا يخفى على الجميع التركيز الشديد على الإثارة الجنسية كوسيلة جذب لشريحة عريضة من المتابعين, وذلك من خلال المشاهد المثير واللبس العاري واللعب بالعواطف لدى المراهقين بل ربما لدى كبار السن. ونجد شيءً من ذلك في الوسائل المقروءة من خلال الكتابة بأسلوب يصور أدق التفاصيل ويجعل القارئ يسبح في بحر من الخيال الماجن.

الإثارة الاجتماعية لها نصب الأسد في الخطاب الإعلامي, ويظهر ذلك جليا من خلال المسلسلات والبرامج التي هي أبعد ما تكون عن تصوير واقع المجتمع, بل تعرض ألأمور النادرة على أنها هي الأصل. كما نجد كثيرا من تلك الوسائل متطرفة جدا في عرضها للعلاقات الاجتماعية من زواج وطلاق ومشكلات زوجية. أما صفحات الحوادث فهي تزخر بحوادث الانتحار والاغتصاب ومثيلاتها , مما يصور لك مجتمعا يعيش في اضطرابات لا حدود لها.

إن المتابع لوسائل الإعلام بدون وعي لهذه الحقيقة التي يستند عليها الإعلام لرواجه (وهي الإثارة), سيتحول إلى شخص مضطرب من نواحي عدة, كما سيكون عنده استعداد نفسي - لا شعوري - للتعامل بشكل سلبي مع كثير من مجريات حياته اليومية.

فسنجده يفقد توازنه الفكري من خلال متابعته للكلام المنمق لأصحاب التوجهات المختلفة وسيخرج بقاعدة ذهبية تحرره من كل قيد ... "القضية خلافية" ... بل إنه ربما خرج بعد كل لقاء حواري بقناعة جديدة تكونت عنده كنتيجة لإبراز زاوية معينة من القضية المطروحة للنقاش مع إغفال - متعمد في أغلب الأحيان - للجوانب الأخرى.

ومن الناحية الاجتماعية سنجد المتابع يعيش إما في خيالات رومنسية لا تمت للواقع بصلة , فيعيش الشاب منتظرا لفتاة أحلامه التي لا تلبس إلا أحسن الثياب وتستخدم أجمل العطور في كل وقت وحين ولا تقول إلا أعذب الكلام. وأما الفتاة فتنتظر فارس أحلامها الذي يحقق لها كل ما تريد, فهو وسيم وغني وشاعري. أما علاقته أو علاقتها بأهلها أو بأهله فهي مبنية على الصورة السائدة في الإعلام من المكر والدسائس والكره المتبادل.

أضف إلى ذلك أن بعض المتابعين يتحول إلى موسوس يشك في كل من حوله, فقد سمع أن هناك زوجات يخن أزواجهن, و أطفال يعتدون على إخوانهم, وخادمات يسحرن من يعملن عندهم. كما سيخاف من كل منتج فهناك مواد غذائية مسرطنة وهناك ثقب الأوزون وهناك الاحتباس الحراري وهناك وهناك.

هم كإعلاميين يبحثون عن رواج سلعتهم القائمة على الإثارة وينسون أو يتناسون ما لهذه الطريقة في العرض من آثار مدمرة على الفرد والمجتمع.

أما أنا كمتلقي فأبحث عن الاستقرار النفسي القائم على الصفاء وسلامة الصدر. فإذا كان ولابد من متابعة لوسائل الإعلام فلننتقي أشرفها مهنية, ولنستخدم مرشحات عقلية تحمينا من تصديق كل ما ينشر ويقال.

ولنعي قواعد اللعبة الإعلامية حفاظا على أنفسنا ومجتمعاتنا...


روابط إخترتها لك:

  • المقال منشور في سبق

هناك 16 تعليقًا:

  1. أبو إلياس31‏/3‏/2009، 4:59 م

    سلمت أناملك يا أبا المعتصم

    فعلاً هي لعبه والمشكلة أن بعض الأطفال قد اغتروا بمظهر هذه اللعبة ولم يحسنوا استخدامهاأو يتوقعوا أذاها يوماً ما، والطفل* الذكي هو الذي يستمتع باللعبة دون أن تؤذيه

    * الطفل هنا المقصود به هو المتلقي للرسالة الإعلامية حيث الرسالة الإعلامية هبي اللعبة والمتلقي لها هو الطفل.

    ردحذف
  2. جميل ماخطت أناملك.

    المثير والأثارة تجبر الجميع على الأنصات لها.

    ولكن علينا ان نفهم انفسنا اولا وموقعنا حتى نستطيع النظر الى المثير بنفس مطمئنه وثقه عاليه.

    ردحذف
  3. تذكرت وانا اقرأ كلماتك اول زيارة لي لمصر في صيف 1997
    فقد انطبع في ذهني من المسلسلات والافلام المصرية انني ساحل ضيفا على عصابة مجرمة لاتترك سبيلا من سبل الاجرام الا وكنت صيدها لتطبيقها علي.
    الا انني تفاجأت بعكس ذلك تماما ، اناس عاديون تماما كاي مجتمع فيه الصالح والطالح
    واكتشفت حينها فكرتك التي تتحدث عنها ان رواج السلعة الاعلامية يعتمد على تضخيم الاحداث ومتابعة الشذوذ وجعله في صورة الغالب
    وفقك الله ابا المعتصم


    ابو الخير

    ردحذف
  4. شكراً أخي حسن على هذا المقال الجميل والواقعي
    وبالفعل هذا هو واقع الإعلام، ونحن مع الأسف كمتلقين من ساعدناهم على ذلك بشكل كبير
    فنجد البرامج السخيفة والتي تركز على العري وما شابهه من أدوات رخيصة هي من لها مشاهدين بشكل كبير وبدأ يظهر ذلك مؤخراً من خلال ما تجده من رسائل على الشاشة ومن أعداد كبيرة جداً (يصعب تصديقها في كثير من الأحيان) لرسائل التصويت أو التشجيع أو المشاركة في مسابقاتهم السخيفة وغيرها


    ابو عبد الملك

    ردحذف
  5. اللعبةهي أكبر مما نتصور

    اشكرك اخي حسن , واسأل الله ان ينفع بك ويعيدك لنا بالسلامة.


    ابراهيم جعبور الحازمي

    ردحذف
  6. وئام اتونسي1‏/4‏/2009، 3:28 ص

    فعلا إنها لعبة ...

    وهذه اللعبة يضع قوانينها المهيمن على الساحة ...

    ننتظر جديدك أبو المعتصم

    ردحذف
  7. الاعلام الممول هو تصوير لدور المجتمع والذي يتأرجح بين تمويل الاباحية من جهة وتمويل العفة والطهارة من جهة أخري. البرامج الممولة والمتعاطية بالشأن العام تمزج بين دعايات التجميل والعناية بالجسد والبشرة مستحضرة شرحات الخيار والأفوكادو من جهة، ومن ناحية أخري تستحضر العفة والفضيلة في دعايات أدوات التنظيف المنزلي. فالراقصة المتباهية بشعرها الأسود الطويل لا تنفصل عن بنت جنسها الأخري المحجبة والمنهمكة بتنظيف المطبخ مستعملة آخر انتاجات المواد القاتلة للبكتريا والحشرات. لا يفصل الأولي عن الثانية سوي ضغط الأصبع علي أزرار الريموت كنترول، كلتاهما تتصدران شاشات الإعلام بصوره ورسائله المتناقضة. يسترخي المشاهد العربي أمام هذه التناقضات. طبعاً له أن يختار بين الأولي والثانية ولكن هل هو بالفعل يملك حرية الاختيار في حقبة تاريخية أهم ملامحها استفراد الخط الاعلامي المرتبط به بالساحة الاعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة؟ لا بد لنا ان نتساءل لماذا اختار ممولو الاعلام خط التناقضات؟ هل هو الرغبة في الثراء الناتج عن ثورة الاتصالات الحديثة؟ أم هل هو فسق ومجون ونعرات طائفية واسترخاء في أحضان المشاريع الأمريكية؟ هل هو محاربة للتطرف الاسلامي كما يسمونه من خلال الانغماس في الاباحية والشهوات التي تصرف الشباب عن الانخراط في مشاريع أبعد من الذات وشهواتها والجسد ورغباته؟

    تناقضات الاعلام الممول بطريقة مباشرة من قبل أشخاص خطر علي المجتمعات العربية سيفككها من الداخل ويقوض السلم الاجتماعي في كثير من المناطق.


    انه اعلام انتجته أموال وليس الباع الطويل في العمل الاعلامي وتراكم الخبرات والتجربة والرؤية المستقلة لحاضر العرب ومستقبلهم ومحنهم المتراكمة.


    الصراخ الطائفي وتبني مشاريع همجية قادمة من الخارج تستهدف أمن المنطقة وتركيبتها الاجتماعية وحقبات التعايش السلمي بين فئاتها المختلفة لن تظل موجهة الي خارج الحدود بل ستنقلب علي ذاتها

    الاختلاف والتعددية وتسيبهما عند الحاجة من الأمور السهلة التي تنذر بعواقب وخيمة لن تنجو منها السعودية بسهولة أو دول الجوار التي تحتضن محطات الاعلام الممول .

    ـ نجد المشاهد والقارئ العربي محاصراً بإعلام يتبني محاور قاتلة تنذر إما بموت بطيء أو تنويم دائم أو أسوأ من ذلك بكثير: انفصام شخصي واجتماعي وقتال طائفي مذهبي طويل الأمد.

    الشمري

    ردحذف
  8. أصبت كبد الحقيقة ووضعت يدك على الجرح الذي أدمى قلوبنا وعقولنا
    أحي حسن أتمنى لو أضفت لمقالك الاسلوب الامثل والحل الناجع لعلاج مشكلة الاعلام العربي بشكل عام أعادك الله لا أحبابك وأهلك وبلدك على خير


    احمد زنقوطي

    ردحذف
  9. شكر الله لك هذا البناء القيم يا د. حسن
    لقد افدتنا بما جاء في مقالك


    مشرف الشهري

    ردحذف
  10. اشكرك اخي ابو المعتصم على هذا مقالك الجميل و الذي هو واقعنا الان.... نسأل الله السلامه.

    اسأل الله لك التوفيق في حياتك العلمية و العملية و لجميع الزملاء في القولدكوست و ان يعيدكم لارض الوطن سالمين غانمين.

    عبد اللطيف الرشيدي

    ردحذف
  11. رائع يا أبوعلي

    استمر بارك الله فيك والله اني افرح عندما أرى مقال لك

    حسن طاشكندي

    ردحذف
  12. مرحبًا حسن الحازمي ..




    الإعتاقد السائد هو شفافية تلك الأوراق و المواقع الإخبارية وحتى الأقلام .



    وبالأرقام - وهي لا تكذب - الأعلى دخلاً صحف التطرف الفكري , ولماذا ؟


    بباسطة ؛ لأن ما يبحث عنه الشخص بفطرته و طبيعته من معرفة أحوال الناس
    و حب الإستطلاع و الإثارة و جميع ماذكرته في مقدمتك النفسية المميزة
    مدفون فيها و مكتنز الرؤى و العيون .

    و ما بقي الكتاب مفتوحًا و كلماته مرسومة فهناك من سيقرأ و من لا يقرأ
    سيستمع لصوت من يقرأ , و ببساطة هذا الكتاب سيحمل لهم شيء جديد
    كل يوم , و سيشبع كل ذي رغبة .


    لعبتك أخي حسن هي لعبتي ولعبة الآلاف ممن يلتمسون السلامة
    في ظل هامش حرية تدلّت حوله أغلال الفساد الفكري و الأخلاقي .








    وصفت فأبدعت أخي حسن ..

    نوار


    لك الشكر

    ردحذف
  13. أحييك على هذا الطرح وعلى هذا الفكر الراقي وكونك وصفة الإعلام باللعبة فأنا أوافقك الرأي , فكل ما أبتكره الإنسان من وسائل وتقنيات في النهاية مجرد العاب في نظري الشخصي لها سلبياتها وإيجابياتها ,أن أحسن الفرد استخدام هذه الألعاب وفهم قواعدها وحكم عقلة وغريزته بشي المنطقي والمعقول فاز فوزا عظيما ونجح بتأهل فكره بعيداَ عن الانحطاط والتخلف ,وتربع كما يتربع الملك على عرشه .
    دمت بود يا أبو المعتصم <<< مقالك رائع جدا

    ردحذف
  14. الإثارة الإعلامية هي تجارة رابحة يستخدمها أصحاب المهنة للإسترزاق

    فكتابة مانشيت عريض على صدر صحيفة يثير القارئ للشراء أحياناً !!

    وأياً كان نوعها يظل هناك من يُستغفَل فإما أن يُستنزف أو يهدر وقته وفكره .

    أحياناً يكون الفضول هو الإهدار الحقيقي مثل التجمهر على حادث سير

    أو تصفح مواقع إباحية على الشبكة العنكبوتية .

    قد أكون خرجت عن طور الموضوع فموضوعك سيدي ذو شجون

    تحياتنا ,,

    ردحذف
  15. ابو إلياس
    ابو لين
    ابو الخير
    ابو عبد الملك
    ابراهيم
    وئام
    الشمري
    الزنقوطي
    مشرف
    عبداللطيف
    حسن طاشكندي
    نوار


    اشكركم من كل قلبي على متابعاتكم وتعليقاتكم القيمة والمحفزه

    ردحذف
  16. اسأل الله ان ينفع بما تكتب وان يزيدك من كل خير. والله قراءة مقالاتك تذكرني بالايام الجميلة يا ابا المعتصم.
    اخوك: ابو مالك (ابو سرور سابقا) :)

    ردحذف