الخميس، يوليو 30، 2009

محاريب مهجورة

image

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله,,,

مع نزول الآيات الأولى من سورة المزمل كان الهدف التهيئة والإعداد لمتلقي الرسالة صلى الله عليه وسلم وللدائرة الأولى التي ستحمل معه مشاعل الهداية " قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلا 2 المزمل"، فهم في حاجة إلى الخلوة والتفكر حتى يستقر الإيمان في النفوس وتتضح الطريق...

ثم كان التوجيه الآخر بأن امض ولا تلتفت " وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلا 10 المزمل"

فإذا ما نجح المحراب الأول في إخراج تلك الكوكبة التي أدركت معنى الحياة، بل راحت تحث الخُطى نحو بناء عالم جديد تختلف مقاييسه عما عهده الناس. لقد جاءت الآية الأخيرة من سورة المزمل بمثابة شهادة لاجتياز مرحلة "إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ".

ولكن هذه الشهادة حملت في طياتها نموذجا جاهزا للعمل به سيرا إلى المستقبل، ومسلكا واضحا لصناعة الحياة، لقد علم الله صِدقك يا محمد (صلى الله عليه وسلم) وِصدق من معك (رضي الله عنهم) ولكن المرحلة القادمة مختلفة، فهي بحاجة إلى محاريب متنوعة كلها تخدم نفس الهدف فتبني الدولة وتنشر دين الله عز وجل، وقبل ذلك ويعده تزكي النفوس وتطهرها وتُدنِيها من الله عز وجل.

فإليك هذه المحاريب:

(محراب الليل) فإن كان التخفيف من الله قد نزل، وإن كانت الشهادة قد منحت، ولكن لا عوض عن محراب الليل "فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ".

أما المحراب الآخر فلابد منه لعمارة هذه الأرض فهو لا يقل أهمية عن سابقه (الليل) ولاحقه (القتال) إنه (محراب العمل) العمل المنتج، " يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ " فبه تكون عمارة الأرض و به تقوم الدولة و به يكون السباق في ميدان المنافسة البشرية، فالله خلقنا في هذه الأرض واستعمرنا فيها لينظر كيف نعمل.

إن هذا المحراب يعاني من قلت المتهجدين فيه فقد أُسيء فهم التعبد فلم نعد نسمع إلا عن المحراب الأول - ويا ليتنا استعملناه - فيقول احدهم إن الله بحكمته وفضله قد هيأ لنا الغرب والشرق يصنعون لنا المكيفات وبرادات الماء و المكرفونات و الأنوار الجميلة و و و ... حتى نرتاح في عبادتنا ونتفرغ لها !!

ويا له من فهم سقيم، لم يعي الحياة بشمولها، فإن كانت هذه السورة قد قررت في منتصفها حقيقة التوكل "رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا 9 المزمل" فنحن بحاجة لنعِيِ معنى هذا التوكل (لنخلط مع دعاء العجوز شيئا من القطران).

ثم يُرشدنا إلى (محراب الجهاد) " يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" لإقامة الدولة وحفظ البيضة، لتكون كلمة الله هي العليا.

ويكرر علينا (محراب القران) " فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ" ما تيسر ولكن لا تهجروه، اربطوا أنفسكم بهذا القران فلا غنا لكم عنه.

(محراب الصلاة) فإن كان التخفيف قد ورد في النافلة وسقطت عن أهل الأعذار، فلا عذر لأحد مهما كان أن يترك صلاة الفريضة " وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ " التي هي صلة بين العبد ورب.

(محراب الزكاة) " وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا " فبها صلاح المجتمع واشمل منه محراب الصدقة بالقرض الحسن ولنلاحظ هنا " حَسَنًا " وقبلها "هَجْرًا جَمِيلا" فإن خفف الله في العبادات فلإحسان في كل شيء أمر مُحكم مطلوب في كل حين.

ومهما بذل العبد في هذه المحاريب فإنما يقدم لنفسه والله يضاعف لمن يشاء من عباده "وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا"

ثم نجد الختام بـ (محراب الاستغفار) وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ"

وهنا أقف متعجبا من هذا الخطاب فإن كان محمد صلى الله عليه وسلم ومن معه أمروا بالاستغفار مع صلاحهم وبذلهم وتقواهم، أمروا بذلك مع أنهم قد عمروا تلك المحاريب كلها بشهادة القران ...

فما هو حالنا وقد هجرنا تلك المحاريب، ما هو حال المذنب المقصر، ما هو حال العاصي الذي أرهقته الذنوب ...

أخي الحبيب لابد لنا من العودة إلى تلك المحاريب ولنكثر من الاستغفار فالله بمنه وفضله وكرمه ورحمته يذكرنا بقوله " إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ"

اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وتب علينا يا رحيم يا رحمن...


مواضيع إخترتها لك:

هناك 4 تعليقات:

  1. اللهم اجعل لنا من هذه المحاريب أوفر الحظ والنصيب.

    بارك الله فيك ونفع بك.

    أبو إلياس

    ردحذف
  2. شكراً أبا المعتصم على هذا العرض المميز والذي لا يأتي إلا من فهم وتدبر
    ونسأل الله العلي القدير أن يوفقنا لما فيه خير وصلاح الدنيا والآخرة إنه ولي ذلك والقادر عليه

    ومن جانبي أعتقد أننا نحتاج ولو التركيز على أحد أو بعض هذه المحاريب ونحاول بذل الجهود الكبيرة للاستفادة منها بقدر الامكان...

    أبو عبدالملك

    ردحذف
  3. أبو المعتصم يذكر بالخير والمحاريب تناجي فهل القلوب واعية ؟
    (أتمنى ذلك فنحن في شهر عظيم يليه شهرا أعظم )

    دمت يا ابو المعتصم بالخير ودام قلمك ينبض بالموعظة...

    ردحذف
  4. عبدالمجيد31‏/7‏/2009، 1:28 ص

    اللهم اجعل لنا من هذه المحاريب أوفر الحظ والنصيب
    بارك الله فيك أخي حسن

    ردحذف