بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،،،
مر علينا في المدارس وكتب السيرة النبوية بعض المعلومات عن حياة النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، وكيف أن كثيرا من الأحداث التي مر بها كانت من تدبير الله له ليكون حامل للرسالة الخاتمة. من ذلك أنه قبل البعثة بثلاث سنوات كان يخلو بنفسه في غار حراء، هذه العزلة عن المجتمع المكي كانت تعطيه فرصة للتأمل والتفكر في هذه الحياة وتأمل هذا الكون ولحال الناس من حوله بعيدا عن ضغط المجتمع، وكل هذا بتدبير الله عز وجل.
إن كانت هذه الخلوة كفيلة بإخراجه من الجو المألوف في مكة في ذلك الحين مما يتيح له فرصة للتأمل بعيدا عن ضغط الواقع، فقد كان نزول جبريل عليه السلام بالرسالة عبارة عن صدمة محتاجة لفترة يتأقلم فيها الرسول صلى الله عليه وسلم مع الوضع الجديد، فتستقر نفسه لهذا الحدث الجلل، فكانت مدة فتر فيها الوحي مع ما هيئه الله لنبيه، فزوجه خديجة رضي الله عنها ثبتته وأخذته لابن عمها ورقة بن نوفل فقال للرسول صلى الله عليه وسلم (هذا الناموس الذي كان ينزل على موسى، يا ليتني فيها جذعا ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أو مخرجي هم ؟ فقال : نعم لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ) وما لبث أن مات ورقة بعد أن قال هذه الكلمات التي تبين صعوبة الطريق !!
لقد كان فترة عصيبة على الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنها ضرورية له حتى يتمكن من استيعاب حجم الأمر الذي كُلف به، خصوصا انه لم يكن ينتظر ذلك كما أكد القران ( وَمَا كُنْتَ تَرْجُواْ أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكَافِرينَ 86 القصص) لقد كانت المدة التي توقف فيها الوحي مرحلة حساسة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم يكون من أول ما نزل بعد ذلك هذه الآيات العظيمة (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ 1 قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً 2 نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً 3 أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً 4 إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً 5 إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً 6 إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً 7 وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً 8 رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً 9).
فهي إمعان في تهيئة النبي صلى الله عليه وسلم لما سيأتي وذلك بمزيد من الخلوة بالله عز وجل في جنح الليل وبمزيد من التأمل والتفكر، و هذا كان ضروريا لنفس اختارها الله لتغير مسار التاريخ، وهي اشد ما تكون حاجة للاتصال بخالقها والتزود لمواجهة ما سيأتي من صعاب.
بهذا النداء الحاني (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) وبهذا الأمر المباشر (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) هذا هو الطريق … اتصل بنا لترقى، (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) وماذا عساه أن يرتل في ذلك الوقت غير بضع آيات نزلت ! إن المهمة شاقة والطريق طويل، ولن تجد زادا خيرا من القران بكل ما فيه، ومصدرا للطاقة خيرا من الخلوة بالله عز وجل. لقد قام بأبي هو وأمي حتى تفطرت قدماه، لقد أدرك الحمل فقال لخديجة رضي الله عنها " مضى عهد النوم يا خديجة " قام ولم يقعد حتى لحق بربه عليه الصلاة والسلام.
إنه الإعداد للقيام بالمهمة الشاقة والاستعداد (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) أنت محتاج في هذه الفترة لبناء داخلي فقم واذكر ربك ورتل كلام ربك فهذا التحدي الأول الذي يجب عليك اجتيازه وإن فعلت ذلك فكل ما بعده هين (إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا) فالله الذي خلق هذه النفس هو أعلم بأفضل الوسائل و الأوقات لمعالجتها وتربيتها.
هذه الطريقة التي اختارها الله لإعداد رسوله وهي منهج صالح للتطبيق في كل زمان ومكان، لا للوصول إلى النبوة فلا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن للخروج من ضغط الواقع والحكم على الأمور بتجرد، فالخلوة والعزلة مع الإمعان في ذكر الله تعطي فرصة أكبر للتأمل والتفكر في بواطن الأمور.
أما تلك المدرسة الخالدة التي أستحي أن أتحدث عنها فلست من أهلها – وللأسف - لكنني متيقن من أثرها بدليل قول الله عز وجل (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) وقوله في موضع آخر ممتدحا أهل هذه المدرسة (كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
كما قال محمد صلى الله عليه وسلم فيقول (إن في الليل لساعةً لا يوافقها رجلٌ مسلم يسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة، إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلةٍ ) وأتذكر هنا قول أحد السلف رحمه الله (أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم، ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا).
لقد عرفوا ... فلزموا...
يا ليل قيامك مدرســــة فيها القرآن يدرســـني
معنــــى الإخلاص فألزمه نهــج بالجنة يجلسني
ويبصـرني كيف الدنيـا بالأمل الكــاذب تغمسني
مثل الحـرباء تلونـها بالإثم تحـــــاول تطمسني
فأباعدها وأعـــــاندها وأراقبهـــــــا تتهجسني
فاشد القلب بخالقـــه والذكر الدائم يحرسنــــي
من قصيدة لوليد الأعظمي
مواضيع إخترتها لك:
احسنت وبارك الله فيك , نبذه مختصره ورائعه
ردحذفاخوك
ضيف الله الشيخي