الخميس، يونيو 18، 2009
الجن 2 – 3 ( مدرسة الجن )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله,,,
لقد من الله علينا بإنزال هذا الكتاب وقص علينا فيه أمور متعددة وشؤونا مختلفة، كلها تهدف إلى تعبيدنا لله عز وجل كما يحب ويرضى. تنوعت قصص القران وطرائق عرضه، فإلى جانب ما قص علينا من أنباء ما قد سبق، نجده القران يقص علينا أخبارا عديدة عن مخلوقات الله المختلفة، فتارة يحدثنا عن عالم الملائكة وأخرى يحدثنا عن النمل و الهدهد مع سليمان عليه السلام وهنا يحدثنا عن الجن. كل هذا العرض يركز على صفات إيجابية يمتدحها الله في مخلوق من مخلوقاته، يشترك فيها عباد الله أيا كان جنسهم فكل من السموات والأرض هم عبيد لله عز وجل.
لن أتتكلم هنا عن الجن "بين الحقيقة والخيال" فهو موضوع حلقتنا القادمة إن يسر الله، لكني سأدخل بكم إلى مدرسة الجن طلبا للفائدة و الهداية التي هي أصل رسالة هذا الكتاب "القران"، وأركز هنا على موضِعَين أطال القران فيهما الحديث عن الجن: الأول في سورة الأحقاف من الآية 29 إلى 33 و الثاني في سورة الجن، فبقراءة متأنية لتلك الآيات نتعلم من الجن عدد من الدروس.
نتعلم منهم أدب الاستماع (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ ... 29 الأحقاف) و (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ ..1 الجن) ، فهم استمعوا ولم يكتفوا بالسماع فقط بل نجدهم ينصتون إلى النهاية وكأنهم سمعوا قول الله عز وجل (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ 204 الأعراف) في حين نجد قول الله عز وجل عن الكفار (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ 26 فصلت).
نتعلم منهم الإقبال على المتكلم (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا 19 الجن)، أما الكفار فهم معرضون كما قال الله عز وجل (فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ 36 عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ 37 المعارج).
نفعل ذلك علنا نخرج بالثمرة التي حصَّلوها باستماعهم وإنصاتهم وإقبالهم على القران فكان تذوقهم للقران وتفاعلهم معه (...إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا 1 الجن)، كما نجدهم يدركون حقيقة هذا القران ومقصده الرئيسي مع أنهم يسمعونه لأول مرة !! فقالوا (...يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ 30 الاحقاف) (يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ ... 2 الجن).
إننا نجد اليوم تطرف في التعامل مع القران من المسلمين فكيف بغيرهم !! نجد فئة خيلوا لنا أنه كتاب طب وفلك وعلوم بحار، فبالغوا في الإعجاز العلمي والعددي، وما أكثر الرسائل التي تردنا بشكل شبه يومي أصبحت تفقد القران لذته وحلاوته وطلاوته، أما الفئة الأخرى فجعلوه لمجرد البركة والقراءة على الأموات وافتتاح واختتام المناشط.
نتعلم منهم هنا أن هذا القران كتاب الله الخاتم الذي فيه نجاة الثقلين من النار، فيه هداية ورشد، فيه وعد ووعيد وترغيب وترهيب، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إنه كتاب هداية ورشاد قبل كل شيء فلنقرأه مفتشين عن ذلك.
نتعلم منهم الاستجابة المباشرة عند سماع الحق (... فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا 2 الجن) (وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ ... 13 الجن) إيمان خالص لله عز وجل و تجرد من كل شرك.
أما الدعوة فهم أساتذتها، فقد انطلقوا بمجرد انقضاء القران (... وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ 29 الأحقاف) وهم حكماء في ذلك فبدؤوا بالمتفق عليه (قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ... 30 الأحقاف) كما خلطوا الترغيب بالترهيب (يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ 31 الأحقاف)
نتعلم منهم الأدب مع الله عز وجل فهو واضح من قولهم (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا... 3 الجن) كما نجدهم في قوله تعالى (وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا 10 الجن) قد نسبوا الشر لمجهول أم الخير فنسبوه إلى الله، وهكذا نجد محمدا صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه (والشر ليس إليك). كما نتعلم الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ ... 31 الأحقاف).
نتعلم منهم التجرد ونكران الذات والعودة عن الباطل، نجدها في قول الله عز وجل على لسانهم (...مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا 3 الجن) فلم يكتفوا بالسكوت عن نفي الصاحبة فقد كان العرب يزعمون أن لله عز وجل صاحبة من الجن "وفي هذا رفعة لهم بزعمهم" لكنهم تجردوا وتبرؤا من هذه الفرية، كما تبرؤا من المخالفين (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا 4 الجن).
نتعلم منهم طهارة النفوس فقلوبهم على الفطرة تستكثر الكذب على الله (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا 5 الجن)، كيف يُكذب على الله !!
نتعلم الاعتراف بالعجز (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعْجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَبًا 12 الجن). . (وَمَن لّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ ... 32)، وهو اعتراف العبد بضعفه أمام ربه، ضعف المخلوق أمام خالقه.
نتعلم منهم الثقة والاطمئنان بالقرب من الله (...فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا 13 الجن).
نتعلم منهم العدل و الموضوعية (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ... 11 الجن)
نتعلم منهم فهم حقيقة الإسلام وأهم صفة فيه وهي العدل فيقولون (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ... 14 الجن) فجعلوا الجور هو عكس الإسلام الذي هو العدل.
وأخيرا نتعلم منهم بأن الإسلام هو دين يصل إليه من تجرد وتحرى الحقيقة (... فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا 14 الجن).
قد يقول قائل إن الحديث هنا عن نفر من الجن وليس عن الجن كلهم، و أقول هنا إنهم قد استجابوا للقران بمجرد سماعهم لبعض آياته في الوقت الذي نجد أن كفار مكة والطائف قد اعرضوا عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعوهم مباشرة ويرغبهم ويحذرهم فما آمن معه إلى قليل !!
وبعيدا عن هذا وذاك، علينا أن نعلم أن الله يقص علينا نبأهم لنستفيد من صفات عباد الله الصالحين أيا كان جنسهم فكلنا يريد أن يتخلق بالأخلاق الحسنة ويطهر نفسه من المسالك الباطلة.
بارك الله لي ولكم في القران الكريم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، إنه جواد كريم.
مواضيع أخترتها لك:
ينتمي هذا المقال الى:
إشراقات,
كل التدوينات
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
السلام عليكم
ردحذفرائع اخي ابو المعتصم
مارايك ان تتب في المرت القادمة عن صفات النصارى مستشهدا بالقران ومستدلا باقعهم اليو وكيف القرن اخبر عنهم-- ستبدع حتما-
اخوك الداعي لك بالخير داما- خالد حمدي- ملبورن
رائع اخي ابا المعتصم، فعلاً استمتعت واستفدت من هذه التدوينة القيمة
ردحذفــــــــــــــــــــ
للأخ خالد حمدي، وإن اخبرنا بصفات النصارى وانهم ملاعين ( وفي الجحيم) وكلهم عيال حرام و و و طيب ، وبعدين ؟ ستتعبد لله بمعرفة صفاتهم، ام ستتعبد لله ببغضهم وترك ماعلينا القيام به !!!
كتب أخي ابو المعتصم : نتعلم منهم فهم حقيقة الإسلام وأهم صفة فيه وهي العدل فيقولون (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ... 14 الجن) فجعلوا الجور هو عكس الإسلام الذي هو العدل.:
اعطني عدل، اعطيك حضارة وتقدم وشعب ( آوادم)،،،
تحياتي
جزاك الله خيراً يا ابا المعتصم
ردحذفأستمتعت كثيراً بهذه التدوينة
خالد وانور
ردحذفنورتي المكان انار الله قلوبكم