الثلاثاء، يونيو 09، 2009

"كليك" يُشكِل عالمنا...

image

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله,,,

عالمنا اليوم تحول إلى مجموعة من الأرقام، فهي اللغة الجديدة، تلك اللغة التي تهتم بالكم والكم فقط... قائمة بالمواقع الأكثر زيارة، وأخرى للمواضيع الأكثر شعبية من خلال عدد الزيارات أو التفاعل والردود (سواء مع أو ضد المهم كم عدد تلك الردود)، وقوائم بالمقاطع الأكثر مشاهدة، كلها أمور رقمية لا تعطي للمضمون أي اهتمام.

نحن في هذه الصفحة الإلكترونية أكثر إدراكا لأثر هذه الأرقام من غيرنا البعيدين عن هذا العالم، فالمواضيع الأكثر تعليقا أو الأكثر مشاهدة هي ما سيواجهنا أولا. هناك أرقام ظاهرة يمكن أن تعطي انطباعا معينا لكل زائر، مثل عدد الزيارات وعدد التعليقات وكذلك التصويت إن وجد، كما أن معظم هذه الصفحات يوجد بها برامج إحصائية دقيقة تعمل دون أن نشعر بها، هذه البرامج تقدم - للقائمين على المواقع - أرقاما دقيقة جدا بمعلومات تحدد درجة الرضا أو الاهتمام بالمحتوى من عدمه.

إن نظرة سريعة لتلك الإحصاءات تعطي مؤشرات قوية ومفيدة لمعرفة الأثر الإيجابي أو السلبي - من الناحية الرقمية - لوجود مادة ما، كما تحدد هذه البرامج كيف وصل القارئ إلى هذه الصفحة و هل هو وصول مباشر بكتابة العنوان أو عن طريق محرك البحث، ما هي الكلمة التي بحث عنها للوصول إلى هنا، أو ربما وصل بإتباع رابط وصله عن طريق بريده الالكتروني أو إحالة من موقع آخر "ما هو هذا الموقع الصديق !"، كما تقدم هذه الإحصاءات زمن بقاء الزائر في الصفحة وهل جذبه المحتوى للذهاب منها لصفحة أخرى في نفس الموقع أم أنه خرج مباشرة، هل عاد هذا الزائر مرة أخرى "فهو متابع للموقع" أم هي زيارة عابرة، من أي دولة بل من أي مدينة جاء هذا الزائر وما نوع متصفحه وما هو نظام التشغيل الذي يستخدمه، كل هذه المعلومات ذات دلاله بطريقة أو بأخرى.

لعله من المعلوم الآن أن كثرة الزيارة لموقع ما تزيد من فرصة ظهور هذا الموقع في ترتيب متقدم في نتائج البحث، ولعل الكثير قد اطلع على أكثر الكلمات العربية استخداما في محركات البحث والتي كانت متركزة بشكل كبير على كلمات متعلقة بأمور لا نتمنى أن تكون هي دائرة اهتمام الشارع العربي، فكثرة البحث عن هذه الكلمات يساعد على ظهورها من خلال خدمة الإكمال الآلي في محركات البحث، مما يعني أن الكثير سيستخدمها من باب الفضول - لوجودها أمامه - ولكنه من حيث لا يشعر يساعد في مزيد من النشر والشيوع لهذه الكلمات وتلك الصفحات.

أما إن تحدثنا عن ثقافة "انشر و لك الأجر" فهذا موقع يريد أن... و موقع يقول... وموقع يطرح استفتاء بخصوص ... وقصص مختلقة وأحاديث ضعيفة... فسنجدها من المضحكات المبكيات، فلو فكر صاحب الموضوع للحظة قبل أن ينقله لعرف انه لا يستحق المشاهدة فضلا عن أن يدعو الآخرين لمشاهدته، كما أن القصص المختلقة والأحاديث الموضوعة ستكون على قائمة البحث لكثرة تداولها حتى يظن من أراد التحقق من صحتها أنها الحق لكثرة ترددها وانتشارها.

إن من يحارب المواقع السيئة أو المسيئة يساهم في نشرها بالمجان من خلال الدعوة لمشاهدتها والبحث عنها في محركات البحث، بل إن كثيرا من المواقع التي تريد كسب زوار إضافيين لرفع قيمة الإعلان مثلاً، نجدها تلجأ إلى وضع استفتاءات تخالف ثوابت اكبر شريحة ممكنة من المجتمع مما يجعلها في أيام قلائل تستحوذ على عدد كبير من الزيارات التي جاءت بغرض محاربتها، فنفعتها من حيث لا تشعر.

أما ثقافة التشجيع والدعم فتكاد تكون غائبة لدى أكثر رواد الشبكة وهي اقل بكثير من ثقافة النقد للأشخاص بل والإساءة لمن نختلف معه في الرأي، بل إن الكثير يتابع المواقع التي يختلف مع توجهاتها لا لينضج فكره أو يطوره وإنما ليرد على كتابها ولو دخل ليفيد ويستفيد لكان خيرا له ولهم، أو لو اكتفى بالمواقع التي يحب ليدعمها. هذه الجرأة في النقد والعزوف عن التشجيع يجعل الكاتب لا يسمع إلا صوت مخالفيه، مع احترامه الكبير للأكثرية الصامتة التي يعرف أنها تتابعه وذلك من كثر المشاهدات، إلا أنه سيشك في جودة ما يقدمه لأن الردود مخالفة له في أكثرها.


ما الذي يهمني - كقارئ - من كل هذا؟

أنت أخي القارئ اللاعب الأهم في هذا الميدان فالكل يسعى لكسب "كليك" منك، فكل هذه الأمور مجتمعة تجعل العالم الرقمي يظهر لك على السطح المواقع الغير مرغوبة لدى شريحة كبيرة من المجتمع (من الناحية النظرية وإن كان هو من نشرها من الناحية العملية) وهي تلك المواقع التي تركز على الإثارة الفكرية أو الغريزية، أما المواقع الجادة فهي تغوص تدريجيا إلى الأعماق.

إن المواقع الجيدة تشتكي من قلة الزيارة وان حصلت فهي قراءة صامته، بل حتى المواقع الجيدة نجد المواضيع التي تتربع على عروشها الرقمية (الكم) ليست المواضيع الأجود بلغة الكيف. إن كنت أدعوا كل كاتب بأن يحافظ على القراء الصامتين فهم كنزه الذي يجب أن يحافظ عليه وهم كثر ويقرؤون بعمق، و لكني في نفس الوقت أدعو القراء الصامتين للخروج عن صمتهم بدعمهم لمواقعهم المفضلة وكتابهم الجيدين، فالتنافس في عالم الإنترنت يمر بطفرة كمية وبدعمهم ستتحول إلى طفرة نوعية، وأما إن تخلوا عن هذا الدور فسيتغلب الكم على الكيف حتما في عالم لا يعرف إلا الأرقام.

هذا الدور الإيجابي المطلوب من رواد هذه الشبكة يكمن في "كليك" التعليق والنشر والبحث عن الكلمات الجيدة والتفاعل مع التصويت إن وجد و و ...، ولا ننسى أن النقد الهادف والبناء سيُرَشِد المادة المطروحة، كما أن البعد عن تتبع ما لا نحب هو الوسيلة الحقيقية لتقليل أثره فنحن من يعطيه قيمته بكل “كليك" نقوم به.

أخي الحبيب وقتك ثمين وضغطة "كليك" واحد منك لها قيمة في عالم رقمي فأنظر أين تضعها، فالتبعة على مستخدمي هذا العالم الرقمي تتزايد يوما بعد يوم، فهناك سيل جارف من المواقع والصفحات التي تفتح كل يوم وفي المقابل تلك التي تغوص في الأعماق أو تموت. إذا كنا لا نستطيع القضاء على المواقع السيئة، فإن ما نستطيعه ونملكه هو انتشال المواقع والمواد المفيدة من الأعماق وجعلها تطفوا على السطح. كما نملك التوقف عن إعطاء قيمة للمواد التي لا نحب.

لنساند الكيف بكم الـ "كليك"، فلغة الأرقام لا تفهم إلا "كليك"


مواضيع إخترتها لك:

هناك 15 تعليقًا:

  1. حبيبي أبا المعتصم؛
    السكوت علامة الرضى :) فإذا وجدت عدد المشاهدات 100 والردود السلبية 5، فاعلم أنَّ 95 راضين ولكن الخجل يمنعهم من أن يبيحوا لك بهذا!

    أما من يعتقد بأنه يسكت لأن الموضوع لايرتقي إلى مستواه فهو بذلك متكبر! فإذا كان لديه فضل علم فلينفع إخوانه عوضًا عن صمت المغرورين.

    وفقك الله

    ردحذف
  2. اهلا وسهلا ابو رينا

    اتفق معك في هذا وهو ما دفعني لكتابة المقال...
    فالتصنيفات الرقمية تجعل المواضيع عديمة الجدوى هي من يتصدر الصفحات

    وقلة الردود حتى مع كثرة المشاهدات ترحل بالمواضيع الجيدة الى مؤخرة القائمة

    هذه المشكلة التي اريد ان نساهم في تقليل اثرها

    ردحذف
  3. مازن زمزمي برزبن9‏/6‏/2009، 10:12 ص

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
    قبل عدة اشهر شاركت في كتابة تهنة لصديق روماني في كرت مع مجموعة من الطلبة من مختلف الجنسيات واتذكر جيدا انني عانيت في كتابة هذة التهنة بل نقلتها حرفيا من تهنئة شخص اخر.
    ما اود ان استشهد بة هنا اننا ربما لم نتعود على ثقافة الردود المكتوبة او المشاركات او المجاملات والتي تعتبر هنا شي عادي.

    ردحذف
  4. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    يدور عادة في خاطر القارئ لأي مقال جيد "ماهي الإضافة التي سأضيفها على الموضوع" البعض يجد حرجا بمجرد التعليق بكلمة "شكرا" أو "يعطيك العافية"
    ويقول في نفسه "معقول إيش هذا الرد"

    لا يعلم القارئ ماهي أثر هذه الكلمات على الكاتب وإن كان بسيطا ... لأن الردود هي اللغة الوحيدة التي تظهر للكاتب وللمراقب مدى اهتمام الناس بالمقال ..
    فهو لا يرى ولا يسمع ماذا يدور في خاطر أو الإبتسامة على وجه قراؤه ...

    الامر الأخير ... لكل كاتب شريحة مستهدفة والردود وسيلة من الوسائل التي تساعد على التطوير ...

    تحياتي

    ردحذف
  5. AS-SALAMU ALIKUM MY BROTHER ABA ALMU'ATASIM:

    I REALLY BEG YOUR ESSAY'S READERS AND YOU TO EXCUSE ME TO WRITE MY COMMENTS IN ENGLISH LANGUAGE BECAUSE MY NEW KEYBOARD UNFORTUNATELY DOES NOT HAVE ARABIC LETTERS



    HOWEVER, SOME WORDS SHOULD BE MENTIONED HERE, SADLY, IT IS THE ONLY EDUCATED PEOPLE WHO ARE INTERESTED IN HIGH QUALITY TOPICS TO READ OR CARE ABOUT. SO, ALL OF US KNOW THAT THESE PEOPLE I HAVE JUST MENTIONED ABOVE ARE A FEW COMPARING TO OTHERS WHO DO NOT LIKE




    FINALLY, THE DIGITAL SYSTEM JUST KNOW HOW TO CALCULATE "HOW MANY TIMES"....AS OUR WRITER SAID

    ردحذف
  6. مرحبًا مهندس حسن الحازمي ..




    جميلة هذه نظرة الإيجابية لهذا العالم

    للأسف ما سميتهم بالصامتين هم النسبة الأعلى في هذا السعي المتواصل و الحثيث خلف هذا السيل المصبوب من الأفكار .
    أغلب ملاحظاتك تكاد تكون دقيقة فيما يخص المواقع , وربما كوننا نعيش في عالم متسارع و القرآءة هي الزاد المنشود
    في عالم " الكليك " لذلك تجد القارىء حالما ينتهي من مادة يتجه لآخرى غير مكترث بالتفاعل مع الفكرة الأولى و لا الأخرى
    لذلك تلجأ بعض المواقع لحجب الأفكار رغبة منها في تسجيل العضو أو وضع رد , وغالبًا يأتي بشكر أو باختصار شديد
    في جميع الحالات ..

    نصيحة قيمة أتمنى أن يُستفاد منها و يعمل بها الجميع حتى يحدث توازن بين ما يطرح من أفكار هادفة , و طرح يشجع و ينمي هذه الأفكار .


    سلمت أخي الكريم ..


    نوار

    ردحذف
  7. ماشاء الله يا اخ حسن
    ولازال المعين يهدينا من وعيه وحكمته
    استمر يا مهندس حسن


    مشرف الشهري

    ردحذف
  8. "أخي الحبيب وقتك ثمين وضغطة "كليك" واحد منك لها قيمة في عالم رقمي فأنظر أين تضعها"

    حامد بشير

    ردحذف
  9. احسنت اخى حسن فطرحك جاب المفيد وهو البحث دائما عن المفيد فعوي الشخص دائما دليله فى اختار الاحسن والاصلح له فى كل شى


    موسى حبكري

    ردحذف
  10. إن المواقع الجيدة تشتكي من قلة الزيارة وان حصلت فهي قراءة صامته، بل حتى المواقع الجيدة نجد المواضيع التي تتربع على عروشها الرقمية (الكم) ليست المواضيع الأجود بلغة الكيف.

    ويشهد على هذا الكلام عندما تعمل أستبيان في محرك البحث (google) عن أكثر كلمة أو موضوع يبحث عنة المتصفح العربي على وجه العموم أو السعودية على وجة الخصوص ترى الأجابة مخزي مع الأسف
    أخي حسن أشكرك على طرحك الراقي


    ابو الحسن

    ردحذف
  11. عبدالمجيد11‏/6‏/2009، 2:17 م

    وهذا (كليك) وتعليق على هذا المقال المتميز ..
    سدد الله خطاك أخي حسن ..

    ردحذف
  12. تنبيه جميل و نظرة عميقة لمسببات خفية لها اثار ظاهرة ملموسة.

    جهد و تلميح تشكر عليه.

    ردحذف
  13. السلام عليكم ، نعم إن الجادين أقلية وهذا لا يخفى على أحد ولكن لا مجال لليأس ولا تعجبك كثرة الغث في الساحة ، فلا شك أن الزبد يذهب جفاء وما ينفع الناس أي شىء ينفع الناس ( ولا تحقرن من المعروف أي شىء)هو الذي يمكث في الأرض فخير لأي جاد أن يطرق باب مدونته خمسة من الجادين خير من خمسمائة من الهازلين ، والسلام ختام ولا تنسانا من صالح دعائك أخوك أسامه الشناوي

    ردحذف
  14. بارك الله فيكم اخوتي الكرام

    على كليكاتكم المتتابعة فهي دم الحياة في عالم رقمي


    دمتم في رعاية الله


    حسن

    ردحذف
  15. بارك الله فيك أخي الفاضل
    أشكرك على أسلوبك الرائع
    نحن في انتظار جديدك دائما

    ردحذف